الأطفال 6-11 سنة
التعليم المنزلي ليس هو التعليم عن بعد
مع مختلف مستجدات عام 2020، واضطرار الكثير من الدول لتغيير مساراتها في التعليم الرسمي، خصوصاً في عالمنا العربي، وجد الكثير من الأشخاص صعوبةً في البقاء في المنزل وفي التعليم عن بعد.
إلا أنني بصفتي أماً معلمة منزلياً، لم أجد فرقاً أكبر من مجرد التوقف عن رؤية أصدقائنا الذين كنا نراهم بشكل دوري، إذ إن التعليم مستمر في منزلنا حتى في أيام الإجازات وعطل نهاية الأسبوع، ونأخذ إجازاتنا الخاصة حسب أوضاعنا.
إلا أنني كلما قرأت نقاشاً على مواقع التواصل الاجتماعي، أو حتى مقالاً في صفحةٍ لجريدة لها وزنها أو موقع إعلامي مميز، أجد خلطاً بين التعليم المنزلي والتعليم عن بعد. فما الفروق بينهما؟
أولاً: التعليم عن بعد يمكن أن يكون جزءاً من التعليم المنزلي
ولكنه ليس شرطاً له ولا حكراً عليه، ولا أساساً من أسسه. بدأت تعليم أبنائي منزلياً في وقت مبكر من عمرهم (بالمناسبة، الطفل يتعلم حتى قبل أن يولد)، وحتى الآن لم أستخدم أي وسائل تعليمٍ إلكترونية لا بواسطة مدرسين ولا باستخدام التطبيقات.
الاستثناء الوحيد هو عرض بعض برامج الكرتون التثقيفية المميزة والأغاني التي تثبت المعلومات، إضافة إلى برامج وثائقية عن الطبيعة من حين إلى آخر.
لكنني إلى الآن لم أضطر لاستخدامه، وأفضل الكتب والأوراق لأسباب كثيرة، منها دراسة بينت أن الدماغ يدرك الكتب الورقية ويحتفظ بمعلوماته وتفاصيل تلك المعلومات منها بشكل أكبر من الكتب الرقمية.
ثانياً: التعليم المنزلي قرار
إذا سألت أباً أو أماً ممن اختاروا التعليم المنزلي لأبنائهم عن سبب ذلك الاختيار، فسوف تجد قصة طويلة، وفي أحيان كثيرة تكون مؤثرة، عن أسباب اختيارهم هذا، وبدأ يظهر جيل جديد من المعلمين منزلياً ممن كانوا قد تعلموا هم منزلياً أيضاً.
كما أنك تجد حباً وشغفاً لذلك في أثناء حديثهم عنه.. للأسف ليس هذا هو حال التعليم عن بعد، إلا في حال كان جزءاً من التعليم المنزلي. فمعظم ما أراه وأقرؤه على الإنترنت هو شكوى متكررة من أعباء التعليم عن بعده وسلبياته.
ثالثاً: التوقيت والوقت المستغرق
لأن التعليم عن بعد كان مرتبطاً في الفترة الماضية بكوفيد-19 وبإنهاء المنهج المدرسي، فقد كان مقيداً بوقت حضور الحصص نفسه الذي كان في المدرسة.
ووجدت عائلات كثيرة أن هذا الأمر يشكل ضغطاً عليها من عدة نواحٍ: فليست جميع الأسر تمتلك أكثر من جهاز حاسوب واحد (وأخرى لا تمتلكه أصلاً).
كما أن وقت الحصة الطويل كان يمكن اختصاره -مثلاً- بوقت أقصر مكثف، ولا بد من الأيام الطويلة لإنهاء الفصل الدراسي.
في المقابل، فإن التعليم المنزلي أكثر مرونة، فالتدريس يكون في الوقت الملائم ودون ارتباط بأحد، ويكون الوقت الفردي مع الطفل كافياً له لإنهاء المطلوب ذلك اليوم في وقت قصير.
وفي بعض الأحيان قد ينهي الطفل درساً ثم يتحمس لقراءة 3 دروس أخرى خلال نصف ساعة مثلاً دون أن يوجد ما يقيد هذا!
رابعاً: أداء المعلم
لو كنتَ تقوم بالتعليم المنزلي، وقد سجلتَ في مساقٍ ما عبر الإنترنت ولم يجده الطفل مفهوماً أو وجدتَ الكثير من الأخطاء لدى المعلم أو لم تجده فاعلاً، فيمكنك تغييره بسهولة، خصوصاً أن كثيراً من تلك المساقات تعطيك فترة تجريبية مجانية، وأحياناً تكون تلك المساقات مجانية فلا يكلفك تغييرها شيئاً.
ولكن في التعليم عن بعد، وحسبما قرأت، فإن كثيراً من المعلمين لم يكونوا مؤهلين لتقديم الدروس بهذه الطريقة.
وشكل ذلك ضغطاً عليهم خصوصاً لو كان لديهم أبناء يحتاجون إلى اهتمامهم أيضاً، ولكن يصعب عليهم أو عليكَ الانسحاب نظراً للعقد المبرم مع المدرسة ولإلزامية التعليم بهذه الطريقة
خامساً: الدافعية
أحد الأسباب التي ساهمت في اتخاذنا لقرار التعليم المنزلي هو استغلال دافعية الطفل لتعلم الأشياء واغتنامها.
في التعليم المنزلي يكون الطفل نفسه مرتبطاً بالكتب والقراءة والكتابة والعلم، أما في التعلم عن بعد فقد يقوم به على مضض.
والأسوأ من ذلك، قد يتظاهر بأنه موجود بينما هو يلعب لعبة ما على الحاسوب نفسه الذي يفترض أنه يجلس أمامه للدراسة.
سادساً: التكلفة المادية
لماذا ندفع رسوماً كبيرة للمدارس ونحن في البيت ونقوم بكل العمل في كل الأحوال؟!
مهما بلغت كلفة أفضل الأشياء التي نشتريها في التعليم المنزلي من أفضل الكتب الأصلية (التي يمكننا استخدام أكثر من مرجع للمادة الواحدة منها مثلاً، أو تغييرها إن لم تعجبنا خلال أيام)، وأفضل مواد القرطاسية، فلن تكلف القدر نفسه من المال الذي ندفعه للمدارس.
وهل تريدون ميزة إضافية؟ كلما كان عدد الأطفال أكبر كانت الكلفة أقل لتشاركهم فيها عاماً بعد عام!
إن في تشريع التعليم المنزلي بأشكاله المتنوعة وإتاحته كخيار للأهل، كما هو حال إتاحة التعليم الحكومي والخاص والدولي كخيارات، سيكون أقل كلفةً على الأهل الراغبين في تنفيذه.
إضافة إلى تخفيف العبء الواقع على الحكومات في توفير التعليم في المدارس الحكومية المكتظة أصلاً، وربما يخرج أجيالاً متفوقة في وقت مبكر لكي تدخل سوق العمل وتساهم فيه بإبداع ودافعية وابتكار.
هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن الناس سيفرغون المدارس من طلابها ويهرعون حالاً للتعليم المنزلي!
بل إن كثيراً منهم يستصعبون الأمر، أو لا يريدونه، أو لديهم أعمالهم وانشغالاتهم التي لا تسمح لوجود التعليم المنزلي من بين خياراتهم.
ونسبتهم تظل نسبة قليلة في الدول التي تتيح التعليم المنزلي، فهي 3.4% في الولايات المتحدة الأميركية، أما في كندا فيتعلم منزلياً طفل واحد من بين كل 127 طفلاً.
لا توجد إحصائيات في المملكة المتحدة حيث أقيم نظراً لعدم إلزامية تسجيل المتعلمين منزلياً، لكن يقدر عددهم بستين ألف طفل بينما عدد من يداومون في المدارس فيبلغ حوالي 9 ملايين طفل.
في النهاية، فإن هذه النسبة الضئيلة التي تجد غايتها في التعليم المنزلي يمكن أن توفر الكثير على نفسها وعلى الدولة بمجرد إتاحة هذا الخيار في التعليم.
ناهيك عن كونه يفتح باباً للدخول للجامعات في سن مبكر، أو إتاحة الفرصة للمتعلمين منزلياً في الخارج -مواطنين كانوا أو أجانب- لكي يدرسوا في جامعات الدول العربية بأريحية.
يقول المثل: رب ضارة نافعة، وأتمنى أن نستفيد من تبعات جائحة كورونا بأن نأخذ في الاعتبار إمكانية تشريع التعليم المنزلي والمطالبة به كخيار متاح.
أو أن تجد الحكومات فيه غايتها لتخفف عن نفسها بعض الأعباء، وأن تتم المطالبة به كخيار للأهالي الذين يرغبون في تعليم أولادهم بطريقةٍ مبتكرة ومختلفة.
فالتعليم المنزلي الذي شُرع وعُمل به كغيره من أساليب التعليم الأخرى في الكثير من الدول الغربية، ما زال ينتظر أن يرى النور في دولنا العربية.