مقابلات
بسمة: كيف غيرتني ١٢ سنة من الأمومة
أجرت المقابلة: معالي جميل، من فريق أمهات ٣٦٠
بسمة أم لأربعة أطفال، وهي تهوى الكتابة منذ كان عمرها ثماني سنوات. هي تكتب في مدونتها الالكترونية بانتظام منذ أيلول من العام 2010، كما أنها تساهم بكتاباتها في World Moms Network.
وبخلاف العادة، بدأت بسمة مسيرتها المهنية بعد إنجابها لطفلها الثالث وبينما هي حامل بطفلها الرابع. افتتحت مركزاً لتعليم المهارات الحياتية للأطفال الصغار والذي يركّز على ثلاث نقاط: غرس المحبة تجاه اللغة العربية وتنميتها، وتشجيع الإبداع من خلال النشاطات الفنية المفتوحة، وتعليم الأطفال المهارات الحياتية والاستقلالية.
إن بسمة أيضاً عضو فعالٌ في جمعية "صوت" لمتلازمة داون في الرياض. بعد 10 أشهر من الدراسة والممارسة المكثفة، حصلت بسمة على شهادة Peaceful Parent Coaching وهي تعد الآن عيادتها الخاصة بالتدريب والتي تسميها "أهل"، وذلك بهدف تشجيع الأمهات والآباء على ممارسة دورهم في التربية والوالدية بكل كيانهم وبطريقة متسامحة.
بسمة في الأصل من المملكة العربية السعودية، وهي تعيش في الرياض مع زوجها وأطفالها.
- هل من الممكن أن تعرّفينا على نفسك وعلى مدونتك؟
اسمي بسمة بدر، ولدي أربعة أطفال. وأنا ما زلت لا أصدق فكرة أن لي طفل عمره 13 سنة، أو أنني أم لأربعة أطفال. لقد بدأت التدوين في العام 2010، ولقد أحسست دائماً بالحاجة إلى الكتابة، وكنت قد بدأت بقراءة المدوّنات عندما قررت أن أجرب الموضوع. إنYa Maamaa” " هي محاولتي الثانية في التدوين حيث أن محاولتي الأولى فشلت لأنني كنت أحاول جاهدة أن أكتب عن مواضيع كنت أظنها مهمة للآخرين بدلاً من الكتابة عن مواضيع أعرف عنها، والتي قد تكون مثيرة للاهتمام عند البعض. عندما بدأت بالكتابة عن كوني أماً لثلاثة أطفال عندها، شعرت بأنني أحب الكتابة جداً. والرائع في الأمر أن الآخرين استمتعوا بقراءتها أيضاً! (وهو أمر مهم لنجاح المدونة) وهكذا كان التدوين جزءاً كبيراً من حياتي في السنوات الستة السابقة.
- هل من الممكن أن تخبرينا عما تقومين به من أجل جمعية "صوت" لمتلازمة داون؟
إن "صوت" هي جمعية غير ربحية ومقرّها في الرياض، السعودية. نحن نملك ونشغّل مدارس متخصصة تقدم خدمات تعليمية ومهنية على أعلى المستويات للأفراد المصابين بتلازمة داون، وذلك منذ الولادة وحتى الحصول على عمل. نحن نستعمل أحدث المناهج لتطبيق تقنيّات فعّالة ومبنيّة على البحث العلمي، كما ندخل أفضل الممارسات في مجال التعليم المرتبط بمتلازمة داون من أجل تمكين خريجينا ليعيشوا حياة يحققون فيها أقصى إمكانياتهم. نحن المؤسسة الوحيدة في الشرق الأوسط، وحسب ما يبدو لي في العالم، التي تعنى بالأطفال منذ الولادة وحتى حصولهم على عمل.
لقد أصبحت جزءاً في هذه الجمعية بسبب إلحاح والدتي التي تنحت عن منصبها هناك. لقد كنت قد أنجبت طفلي الثالث، وكنت منهمكة في مهمة تجديد المنزل، لذا كنت أشعر بالرهبة تجاه الموضوع. لم يكن الأمر يتطلب سوى زيارة واحدة للمدرسة لأدرك كم أنا محظوظة لأنني سأكون جزءاً من أمر يغير حياة هؤلاء الأطفال وحياة عائلاتهم. سنفتتح مقرنا الجديد في الرياض في شهر أيلول، حيث ستكون هذه المدرسة الثانية في الرياض، كما أننا الآن في طور بناء مدرسة في جدة. إن برنامجنا مميز على مستوى العالم، ونحن نركّز الآن على إيجاد طرق لخدمة المزيد من العائلات، حيث أن لدينا أكثر من 1000 طالب على قوائم الانتظار في الرياض فقط. أنا متحمسة بشكل شخصي للعمل على نشر الوعي وإبطال الأفكار الخاطئة لدى العديد من الناس عن متلازمة داون. أنا أبحث عن فرص لشمل أطفالنا في طرق الإعلان ووسائل الإعلام الرسمي لنبين للعالم قدراتهم وبالتالي التشجيع على المزيد من الوعي والاحترام.
- ما هو http://www.worldmomsblog.com/ وكيف أصبحت جزءاً منه؟
عندما بدأت بالتدوين، كنت نشيطة جداً على موقعي، كما قمت بزيارة العديد من المواقع الأخرى، والتي تتحدث عن الوالدية بشكل أساسي. صادفت World Moms Blog في العام 2011، وبعثت لهم برابط YaMaamaa.com وعبرت عن رغبتي بالكتابة لهم. استلمت منهم بريداً الكترونياً بالموافقة، وهكذا بدأت بالكتابة لهم منذ ذلك الحين. لقد أعلنا مؤخراً على المدونة أننا سنننتقل هذا الشهر من World Mom’s Blog إلى World moms network وذلك لأننا كبرنا على أن نكون مدونة الكترونية، وحان الوقت للانتقال إلى شبكة تضم 70 أماً، وحصلنا على الاعتراف من العديد من المنظمات بفضل كتاباتنا وعملنا على نشر الوعي عن المواضيع المهمة والتي تؤثرفي الأمهات والنساء في جميع أنحاء العالم. لقد سنحت لي الفرصة للقاء جينيفر بيردن، وهي المؤسس لـ World Moms Blog وأنا منبهرة جداً بكل ما تقوم به، وأشعر بأنني محظوظة لكوني جزءاً من هذه الشبكة.
شعرت بأن هذ الطريقة مثالية لي لأنها تدعو إلى علاقة تعاونية مليئة بالاحترام، بدلاً من علاقة تتسم بالسيطرة والتلاعب. لم تكن تتحدث عن كيفية جعل الطفل يقوم بما تطلبينه منه، ولكنها كانت تتحدث عن تعميق قيم العائلة وغرسها في طفلك.
- هل من الممكن ان تخبرينا عن دورك كمدرّبة للتربية السّلمية Peaceful Parenting” Coach” ؟
شعرت في العام الماضي بأنني وصلت القاع وشعرت بالإحباط الشديد بسبب طريقتي في تربية أطفالي. لم يعد لدي صبر وبدأ أطفالي بتجنبي. كنت غاضبة طوال الوقت. كنت أعلم بأن حياتي مليئة بالضغوطات وكنت أشعر بأن العمل يفوق طاقتي في بعض الأحيان، ولكنني كنت أريد أن أكون حريصة جداً لكيلا يؤثر هذا على أطفالي. بدأت بالبحث (وهو طريقتي المفضلة في قضاء الوقت وأنا أجيده جداً) عن العديد من المواضيع والأدوات التي أستطيع تعلمها لتساعدني.
قضيت سنة كاملة وأنا أخضع للعديد من التقييمات، من الذكاء العاطفي إلى مواطن القوى إلى القيم، وكنت أكتشف الكثير عن نفسي، إلا أنني لم أجد طريقة لجمع كل ما تعلمته مع بعضه البعض. لقد قرأت عن "التربية السّلمية" مصادفة، وقرأت أن أحد أهم الأهداف هو أن تضعي علاقتك بطفلك دائماً فوق سلوكه، وكذلك أن لا تدعي انفعالاتك تنصب عليه. شعرت بأن هذ الطريقة مثالية لي لأنها تدعو إلى علاقة تعاونية مليئة بالاحترام، بدلاً من علاقة تتسم بالسيطرة والتلاعب. لم تكن تتحدث عن كيفية جعل الطفل يقوم بما تطلبينه منه، ولكنها كانت تتحدث عن تعميق قيم العائلة وغرسها في طفلك، وترك المجال للأطفال لعمل ما عليهم عمله لأنهم يفهمون لماذا يقومون به. هذه مجرد نبذة عما قرأته. وهكذا سجلت في دورة تدريبية تحتوي على 24 جلسة على الأقل ولمدة 10 أشهر.
الهدف الأهم الذي أحاول الوصول إليه مع الأمهات هو جعلهن يتقبلن أنفسهن وأن يحببنها من أعماق قلوبهن، وأن لا يتوقعن الكمال من أنفسهن.
لقد درست ومارست وطبقت بشكل متواصل. وبدأت بعمل برنامج "التربية السّلمية" لمدة 10 أسابيع، وأنا أعلمه الآن للأمهات الأخريات وقد بهرت حقاً بالنتائج التي لمستها في نفسي وفي أطفالي. لذا قمت بإكمال باقي التدريب لأصبح مدربة. وكمدربة في مجال الوالدية وتربية الأطفال، فإن الهدف الأهم الذي أحاول الوصول إليه مع الأمهات هو جعلهن يتقبلن أنفسهن وأن يحببنها من أعماق قلوبهن، وأن لا يتوقعن الكمال من أنفسهن، وبالطبع أن يحببن أطفالهن ويتقبلنهم، وأن لا يتوقعن الكمال منهم. إن الفكرة ليست أن نخلق عالماً مثالياً حيث لا تحدث الأخطاء أبداً، ولا نحس بالغضب أبداً، ولكن الفكرة أن نعزز الرابطة بين الأم والطفل من أجل تخطي المواقف التي تحدث فيها الأخطاء.
- هل هناك تحديات تواجه الأمهات في الرياض بشكل خاص؟ وما هي؟
تدخّل المجتمع، وأثر أحكامهن وآرائهن على بعضهن البعض. تهتم الأمهات بشكل كبير برأي الأمهات الأخريات عنهن، أو بالأحرى رأي عائلاتهن بهن. لا يوجد لدينا توازن صحي بين الترابط العائلي الوثيق مع عائلاتنا، والمحافظة على استقلاليتنا في رعاية أطفالنا وفي حياتنا اليومية. هناك تحد آخر وهو قلة النشاطات اللامنهجية ونشاطات ما بعد المدرسة. وآخر مشكلة أراها والتي قد لا يصنفها الأهل على أنها مشكلة وهي قلة نوم الأطفال هنا. هناك نقص في الوعي والمعرفة عن أهمية النوم الكافي، وخصوصاً عدد ساعات النوم في الليل. ونتيجة لهذا، فأنا أشعر بأن العديد من المشاكل السلوكية، وبعض القضايا المرتبطة بالتحصيل الأكاديمي قد تحل في حال حصل الطفل على قسط كافٍ من النوم.
- هل تغيرت طريقتك في تربية الأطفال من الطفل الأول وحتى الطفل الرابع؟ وكيف؟
نعم، لقد تغيرت بشكل كبير في بعض الجوانب، وفي بعض الجوانب الأخرى لم تتغير مطلقاً. ولكن أنا تغيرت بشكل كبير، وأصبحت مختلفة عن الفتاة ذات الـ 23 سنة والتي أنجبت طفلها الأول قبل الذكرى السنوية الأولى لزواجها. لقد بدأت رحلة الأمومة وأنا أشعر بأنني مغرمة بشكل كامل بطفلي الأول وبدون أن أكون مزودة بالمعلومات الصحيحة. لقد تزوجت عندما كان عمري 22 سنة، ولم أقضِ الكثير من الوقت في التفكير بإنجاب الأطفال وكيفية تربيتهم. عندما أعود بالتفكير إلى الوراء، لقد قمت بتربية طفلي الأول بطريقة تشعرني بالاستياء الآن (مشاهدة يومية للتلفاز، الأرز الخاص بالأطفال كطعامه الأول، لم يكن هناك تحديد لمواعيد نومه). أنا أعتقد بأن التغيير بدأ بالحدوث عندما انتقلت للعيش في لندن لمدة سنتين مع زوجي. كنت قد أنجبت طفلين وكانت أعمارهما 5 سنوات وسنتين عندها.
لقد تزوجت عندما كان عمري 22 سنة، ولم أقضِ الكثير من الوقت في التفكير بإنجاب الأطفال وكيفية تربيتهم. عندما أعود بالتفكير إلى الوراء، لقد قمت بتربية طفلي الأول بطريقة تشعرني بالاستياء الآن.
عندما كنت أعيش في الرياض لم يكن لدي مفهوم جعل عائلتي الصغيرة أهم أولوية عندي. لقد كان الأمر يتعلق دائماً بالعائلة الكبيرة. على سبيل المثال، لقد كان ذهاب أطفالي لتناول الغداء عند أجدادهم أهم عندي من تناولهم الطعام مع أبيهم ومعي. عندما عشنا في لندن، شعرت للمرة الأولى بأننا أهم أولوية لبعضنا البعض، وأنا لن أستغني عن ذلك أبداً. وقد شعرت لأول مرة أيضاً بأن لدي سيطرة كاملة على ما يحدث مع أطفالي، وذلك ابتداءاً من طعامهم وانتهاءاً بوقت نومهم، ولم أتخلى عن هذا من ذلك الحين! في ذلك الوقت، بدأت أتعرف على أهمية روتين ما قبل النوم وأهمية وضع إيقاع ثابت يستطيع الطفل توقعه، بالإضافة إلى أهمية المهارات الحياتية والتغذية السليمة. وفي هذا الوقت أيضاً بدأت بتحديد الوقت المخصص للأجهزة اللإلكترونية، حتى وصلنا إلى الترتيب الحالي حيث لا يوجد استعمال للأجهزة الالكترونية في أيام المدرسة.
عندما أنجبت طفلي الثالث، كنت محظوظة بالعثور على مربية رائعة لتساعدني بالعناية بطفلي ذو الأشهر الستة، والتي فتحت عيني على أهمية اللعب في إثراء حياة الطفل ومساعدته على التطور والنماء. وهنا بدأ اهتمامي الكبير باللعب! كما بينت لي أهمية وضع جدول عام، وأن الأفوكادو أفضل طعام تستطيعين البدء به لإطعام طفلك! بدأت بالقراءة عن أرز الأطفال وعن الأثر السيء للسكر على الأطفال والكبار (إن أرز الأطفال يتحول إلى سكر في جسد الطفل). في ذلك الوقت بدأت بالتدوين ومتابعة العديد من مدوّنات الأمهات لقراءة المواضيع المختلفة من وجهات نظر مختلفة.
توقفت عن استخدام العقاب أو المكافآت بعد أن كانت المكافآت جزءاً كبيراً من طريقتي في التربية. أنا أتوقع من أطفالي عمل الأشياء إما لأنها مسؤوليتهم، أو لأنها أعمال حسنة، وهذا سبب كافٍ.
قبل سنة تقريباً بدأت رحلة "التربية السّلمية" الخاصة بي، وشكّل هذا تغييراً كبيراً في طريقتي في تربية الأطفال، لأنني توقفت عن استخدام العقاب أو المكافآت بعد أن كانت المكافآت جزءاً كبيراً من طريقتي في التربية. أنا أتوقع من أطفالي عمل الأشياء إما لأنها مسؤوليتهم، أو لأنها أعمال حسنة، وهذا سبب كافٍ.
عندما أنظر إلى الوراء، أشعر بالدهشة لأن أطفالي لا يشعرون بأن أماً مختلفة قامت بتربيتهم في كل مرة! ولكن في النهاية، تكتمل الصورة بكل أجزائها، ولم يستغرقني هذا سوى 12 سنة!