شارك المقال

انت لست وحدك ، نحن معك خطوة بخطوة.
حمّلي التطبيق الآن وانضمي إلى مجتمع يضم أكثر من 500,000 أم، ليكنّ سندك ودعمك في رحلة الأمومة.

حمّلي التطبيق الآن وانضمي إلى مجتمع يضم أكثر من 500,000 أم، ليكنّ سندك ودعمك في رحلة الأمومة.

قصة إيمان شنن، أم لطفلين
كتبت القصة بالتعاون مع صفحة "قصتي مع السرطان"
أُدرك تماماً أن امرأةً مثلي لن تغير الواقع، أو تغير الكون، لكنني أحاول، وسأواصل المحاولة لأكمل ما بدأته، وما أخذته على عاتقي، فلا يدرك ألم المرض إلا من عاشه..
لن أسرد حكايات عن البطولة، لأنني سأحتاج أوراقاً كثيرة، وحبراً أكثر.
إنَّهُنَّ معنا وبيننا، منهنَّ مَن مضت، ومنهن مَن ما زالت تنتظر.
عندما كنت طفلة في الصف الثاني، تُوفيت إحدى زميلاتي في الصف، وعندما سألنا معلّمتنا، التي كانت تجهش بالبكاء عن سبب وفاتها، قالت: "من السرطان".
لم نكن ندرك ما يعنيه السرطان. ولذلك، حاولت معلمتنا أن تساعدنا على استيعابه بقولها إنه كان كما لو أن صديقتنا قد تناولت سمّ الفئران.
ولكن بعد أن كبرنا، علِمنا أن السرطان ليس سم فئران، وإنما كان نوعاً آخر من أنواع الموت البطيء.
وعندما بلغتُ التاسعة والعشرين من عمري، شُخِّصتْ حالتي وتبيَّن أنني كنتُ مصابة بسرطان الثدي. ولم يكن أمامي من خيار سوى أن أقاوم..
فقد كنت أمًا لطفلين، أكبرهما لم يتجاوز الرابعة من عمره، وقد اعتمدتُ على زوجي الذي أمدّني بالدعم، وأمي التي شكّلت مصدر إلهام لي وأبي الذي شحذني بالقوة لكي أستهلّ رحلة العلاج المضنية التي استغرقت ستة أعوام، إلى أن غدوتُ ناجية من السرطان وتعافيتً منه.
كما كان يتعين عليّ أن أتحدى عادات مجتمعي الذي يقوّض رفاه مرضى السرطان في أحوال كثيرة.
التقيتُ بنساء مدهشات كُنّ يقاومْن السرطان أيضاً.. أميرة، وغادة، ونهى، وأمل، وهيا، وصفاء، وهناء، وتغريد، وشفا وآمنة. ومضيْنا كلنا في هذه الرحلة معاً.. كانت جراحنا هي ما توحدنا، واتفقتُ معهن على البقاء والمقاومة..
فمعًا، نستطيع أن نقهر السرطان..
جمعتنا مباضع الجراحين.. كنت أصنع لوحةً فنيةً جديدةً، في كل مرة أكون فيها ضيفةً على غرفة العمليات، إلى أن بلغت سبعة عشرة لوحة.
في لحظات الإفاقة، ووجع البعد أياماً وشهوراً، كنا نضحك ونقول: عمر الشقي بقي. فقدنا أجزاءً عزيزة من أجسادنا، ولكن لم نفقد الأمل ولو للحظة.
حاربنا.. نثرنا الحب والحياة والقوة في طريقنا، سامحنا من قَهرنا، سامحنا من ذَبحنا كل يومٍ بنظراته، أو بإيحاءاته، ومضينا نعانق آخرين، نقتحم الحواجز مبتسمين، فقدنا من فقدنا في الطريق، لكننا سويةً مستمرين.
ولكن كان يصعب عليّ أن أشاهدهن وهن يتغيرن، فقد سقط شعرهن، وبات لون وجوههن شاحباً، وغدت أجسادهن هزيلة ونحيلة.
كنا نعيش في غزة وغالباً ما كنا نُضطر بسبب الوضع السائد هناك، إلى مغادرتها من أجل الحصول على العلاج، الذي لم يكن يسيراً.. وكنتُ أسافر إلى مصر عبر معبر رفح الخاضع للسيطرة المصرية لكي أتلقّى علاجي.
وكنتُ أضطر في بعض الأحيان، إلى الاعتماد على الأدوية والعلاج الذي تؤمّنه وزارة الصحة في غزة، لأنه لم يكن في وسعي أن أحصل على الدواء بنفسي، أو أن أحصل على العلاج الذي كنت في حاجة إليه من خارج غزة.
وكان أكثر ما أكرهه، وأرفضه رفضاً مطلقاُ، هو فكرة ربط السرطان بالموت، كما لو لم تكن النجاة منه خياراً قائماً!
وقد تضررتْ علاقاتي الاجتماعية، حيث كان بعض الأشخاص يريدون أن يروْني ضحية أو حالة تثير شفقتهم، وهو ما كنت أرفضه.
وخلال رحلتي، كنت أحسّ بالكفاح الذي تخوضه المريضات بالسرطان والمعاناة التي يتكبّدنها وأراها بأم عينيّ، ولا سيما أولئك اللواتي كُنّ يعانين من الفقر والضعف ولم ينلن حظّهن من التعليم.
وكان عدد ليس بالقليل منهن يفتقرن إلى الدعم النفسي من عائلاتهن، فمنهن من لم تملك من المال ما يعينها على المقاومة، وهناك من هجرها زوجها وتخلى عنها خلال رحلة العلاج.. كنا ضعيفات وكنا بحاجة ماسة للدعم والمساندة.
لكني وبعد سنوات تعافيتُ من السرطان، واستعدتُ شغفي بالحياة، وكان أول ما أردته أن أقدم للنساء من مثيلاتي أقصى ما في وسعي من مساعدة، وبدعم من مريضات أخريات بالسرطان، واللواتي فقدنا أربعًا منهن، بدأنا نفكر في كيفية مساعدة مريضات السرطان في غزة، من خلال تأمين الأدوية والدعم الذي كنّ في حاجة إليه:
تمكنّا على مدى الأعوام العشرة الماضية، من تقديم خدماتنا لما مجموعه 2,700 مريضة بالسرطان، من قبيل الأدوية التي يصعب الحصول عليها في أحوال كثيرة في غزة، بسبب القيود المفروضة على الاستيراد، والافتقار إلى التمويل وغيره من التحديات.
كما قدّمنا لهؤلاء المريضات الدعم النفسي والاجتماعي، والعلاج الطبيعي والأنشطة الترويحية. كان لدينا 50 مريضة عندما افتتحنا البرنامج. أما الآن، وبسبب العدد الهائل للمريضات، فما عاد في مقدورنا أن نقدّم جميع خدماتنا لهن كلهن بسبب شحّ التمويل.
مما حدا بي للتفكير في تدريب النساء الناجيات لصناعة أثداء صناعية محلية بأيديهن بإستثمار الموارد المتاحة في أسواق غزة، وبالفعل نجحت الفكرة.
والآن يتم صناعة الأثداء في غزة يدوياً كتجربة فعلية والأولى عربياً وعالميا بسعر لا يتجاوز دولارين، و يتم توزيعها على النساء الفقيرات مجاناً، وتحصل النساء الناجيات على أجرة يومية تقدر بخمسين شيكل (15 دولار) من صناعتها.
وتم توزيع ما يقارب 750 ثدي صناعي مصنّع محلياً، وبأيدي نساء ناجيات من السرطان. والآن أحاول أن أعمم الفكرة عربياً ودولياً، خاصة في الدول الفقيرة.
وعلى الرغم من النجاح الذي حقّقتُه، فقد واجهتُ تحديات جمة، بما فيها الانطباع السلبي السائد في المجتمع اتجاهي كمريضة بسرطان الثدي وناشطة تشجّع النساء على الخضوع لفحوصات الكشف المبكر عن سرطان الثدي.
والأدهى والأمرّ أن بعض الجهات الرسمية، التي يُفترض بها أن تدافع عن مصالح المريضات بسرطان الثدي، لم تُبدِ الاستعداد لمساندتي.
غالباً ما يرى الناس أن الحديث عن سرطان الثدي مدعاةً للعيب، أو يفترضون أن المريضات سيقضين نحبهنّ فيه، بصرف النظر عن العلاج الذي يتلقيْنه.
ولكنني أحاربُ مع كل من يتعين عليّ أن أمدّه بالدعم والمساندة. وأحارب مع المانحين الدوليين والمحليين لكي أتأكد من أن علاج المريضات بسرطان الثدي يَرِد في أجندة التمويل التي يعتمدونها.
فأنا عندما شُخِّصت بالسرطان، لم يكن طفلايَ يتجاوزان الثالثة والرابعة من عمرهما، وهما اليوم يبلغان 23 و24 عاما ًمن العمر.
كنتُ أحلم في أن أتمكّن من مشاهدتهما وهما يكبران ويتخرجان من الجامعة، وقد حققتُ هذا الحلم. فكلاهما تخرّج من جامعته الآن.
وحلمي الآن أن أواصل تقديم العون للمريضات بسرطان الثدي ومساعدتهن في الحصول على كل الدعم الذي يحتجْن إليه.
المساعد الذكي يستخدم معلومات من أكثر من 250 طبيب واخصائي للإجابة على أسئلتك على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع باستخدام أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي