قصص أمهات
إلى أمهات الأطفال “الذين كبروا”
نحن نصبح أمهات قبل أن ننجب طفلنا الأول بكثير؛ فأغلبنا أمهات بالفطرة، لأن قدرتنا على تقديم الحب والحياة لكل من حولنا فطرة وغريزة داخلية، فقد خلقنا وبداخلنا كم هائل من الرعاية والعناية والحب والعمل، ونستطيع ونحن مسلحون بكل هذا أن نتخطى الصعاب ونتعامل مع تبدل الفصول و نمضي في الحياة، بينما نكبر نحن وأطفالنا من حولنا يكبرون.
في عيد ميلاد ابني الثامن عشر، أود أن أشارك معكم ماذا يعني لي رؤيته وهو “يفرد جناحيه ويحلق بعيداً عن منزله” كما عبرت عن ذلك إحدى أمهات أصدقائه.
لقد سئلت في الأسابيع القليلة الماضية نفس السؤال مراراً وتكراراً، من قبل الأصدقاء والعائلة وحتى الغرباء: كيف تشعرين؟ لم أكن أعلم ماذا يعنون بالضبط من هذا السؤال. هل كانوا يعنون:
ما هو شعوري نحو سفر ابني بعيداً لبدء دراسته الجامعية؟ أو شعوري أنه بعيد عني آلاف الكيلومترات؟ أو بأني لن أراه في سريره كل ليلة ، وأقبّله قبل أو حتى بعد أن ينام؟ أو لأنه سيعيش لوحده الآن في قارة أخرى وأنا لست متأكدة إذا كنا كلانا سنتمكن من التعامل مع هذا الوضع!
بصراحة، إن هذا ليس بالسؤال السهل! كيف أشعر؟ كيف أعتقد بأن علي أن أشعر؟ و كيف تشعر الأم عندما يكبر أطفالها ويتركون العش؟
إن الجواب هو: الكثير من المشاعر والأحاسيس! وفي محاولتي لكي أتعرف على شعوري تجاه هذه المرحلة الجديدة من حياتي وحياة ابني، سأشارك معكم بعضا مما يدور في قلبي وعقلي:
التقدير:
نحن نكن حباً كبيراً وعميقاً لأطفالنا، ولكن هل نقدرهم حقاً لشخصهم؟ وهل نقدر شخصهم الذي أصبحوا عليه بعد أن كبروا؟ لقد أصبحت أقدر مجرد وجود ابني في المنزل، ناهيك عن عنايته بإخوته، وطريقته في التمييز بين ما هو صحيح وما هو خاطئ، وفضوله لتعلم كل جديد، حبه و عنايته بالآخرين، وطموحاته وتطلعاته لجعل هذا العالم مكاناً أفضل.
الآن أنا أرى وأقدر حقيقة ابني وماذا يعني لي، وذلك بعد أن خبرت الفراغ الذي تركه بعد سفره. لم أتمكن من إدراك ذلك من قبل ، لأنني كنت أتعامل مع وجوده في حياتي كأمر حتمي و مسلم به!
الأمل:
لن أنسى أبداً شعوري في صباح اليوم التالي لولادة أطفالي: سعيدة، ومرتاحة، ومتفائلة، أشعر ببعض الألم ولكن الأمل يغمرني! مع بداية يوم جديد وحياة جديدة، كنت أنظر إلى طفلي الصغير وأفكر بكل النعم والفرص وكل ما يمكن تحقيقه في المستقبل، بالإضافة إلى الشعور الرائع و التشوق الناجم عن عدم معرفة كيف ستكون المرحلة القادمة بالضبط، ولكن في نفس الوقت كنت أعلم بأن الأفضل بانتظارنا دائما.
أنا أشعر الآن بنفس مشاعر الأمل تلك، وأنا أرى ابني يبدأ مرحلة جديدة من حياته؛ مع ترقب كل الأمور الرائعة التي ستجلبها له الحياة في المستقبل. أنا أؤمن أن هناك رحلة جديدة ومغامرة في انتظارنا نحن الاثنين معا!
الامتنان:
أين أبدأ في وصف كل ما أنا ممتنة لأجله؟
ألأن لدي ابن رائع؟ أو لأنني أراه يحقق ما بدأ العمل عليه منذ الصف السادس؟ أو لأنه قد تم قبوله في أكثر البرامج تنافسية في جامعته؟ أو لأنني أعلم بأن الفرص التي تنتظره لا نهائية؟ أو للتكنولوجيا التي تمكننا من رؤية بعضنا والحديث معاً بالرغم من المسافة!
كل هذا يخلق لدي نعماً جديدة أحمد الله عليها من أعماق قلبي. وتذكرني هذه النعم الجديدة بـ”النعم القديمة”. أنا ممتنة أيضاً للوقت الذي قضيته مع أطفالي؛ وأنا أحضنهم وأحضر وجبات طعامهم، وأستمع إلى قصصهم اليومية عن المدرسة، وممتنة للوقت الذي قضيناه معاً في التسوق, في أعياد الميلاد و حتى لمجرد الجلوس في المنزل ومشاهدة التلفاز معاً!
الحنين:
الحنين إلى تلك اللحظات الثمينة عندما كانوا أطفالاً صغاراً! حمل ذلك الطفل الصغير بعد أن يغفو ، تجريب النكهات المختلفة للخضار والفواكه عند البدء بتناول الأطعمة الصلبة، وشراء أول زوج من أحذية المشي، والبحث عن الحضانة “المثالية” عندما رغبت بالعودة إلى العمل، وغيرها من اللحظات، إلى أن حان الوقت لاختيار تخصصه في الجامعة.
عندما احتضنته في الفجر، قبل ساعات قليلة من موعد رحلته، نظرت إليه، ومن ثم نظرت ورائي إلى صورته المفضلة لدي (التي أخذت وهو بعمر ٦ أشهر) والمعلقة على الحائط، ولم أستطع أن أصدق أن كل هذه السنوات قد مرت بهذه السرعة!
و لكي أكون صادقة تماماً، هناك أوقات أشعر فيها ببعض الحزن وأشتاق إلى ابني عبود كثيراً، ولكني أتذكر مقولة جبران:
“إن أبناءكم ليسوا أبناءكم
إنهم أبناء الحياة المشتاقة إلى نفسها
قد تستطيعون العيش معاً بأجسادكم ولكنكم لن تمتلكوا أرواحهم
إن أرواحهم تعيش في المستقبل، الذي لن تستطيعوا زيارته حتى في أحلامكم”
إن تذكر هذا يجعلني أتمنى أن أكون قد قدمت أقصى ما لدي لابني و أعطيته كل الحب وأن أكون قد ساهمت بشكل إيجابي في رحلة حياته نحو المستقبل.