قصص أمهات
ابنتي وقصة زجاجة اللبن المسكوب
بقلم: رشا علاونة - أم لطفلين
ابني البكر يبلغ من العمر 10 سنوات يحب ألعاب التركيب والتكنولوجيا وهو حذر بطبعه منذ صغره لا يخاطر ولا يغامر، أما وابنتي الصغيرة الـ 4 سنوات عكسه تماماً، تحب المغامرة والتجربة وخاصة إن كانت ردة فعلي بقول "لا" أو " لا يجوز"... بالعامية يطلق عليها "المخربة".
ورغم محاولاتي الكثيرة بتوجيهها وتوضيح الفرق بين أن هذا خطر وذاك يؤذي إلا أن جهودي معها لم تثمر إلى أن قرأت قصة زجاجة اللبن المسكوب من كتاب ملهمون والتي تتكلم عن لقاء صحفي مع العالم باكمينستر فولر وهو عالم رياضيات وفيلسوف حاصل على 46 دكتوراة فخرية..
وكل ذلك بسبب أنه تعلم من أخطائه الكثيرة التي أوصلته إلى ما كان يطمح إليه، ومنذ أن قرأت قصته بتفاصيلها تغيرت ردة فعلي تجاه طفلتي بالكامل.
كانت قصته كالآتي:
"كان "باكمينستر" صغيراً حين حاول إخراج زجاجة لبن من الثلاجة وانزلقت من يده فانسكبت بالكامل على أرض المطبخ. وبالطبع لم يفكر حينها إلا بشيء واحد وهو رد فعل والدته!
في الحقيقة، بدلاً من أن توبخه أمه قالت له: " يا لها من فوضى رائعة تلك التي صنعتها! حسناً يا بني لقد وقع الضرر بالفعل، لا تقلق بشأن هذا، هل تريد أن تلهو معي قليلاً بينما نقوم بتنظيف هذا اللبن المسكوب؟"
وبالطبع كان يريد ذلك، فقالت له: عندما تعم فوضى كهذه يكون علينا تنظيفها، لذا كيف تحب أن نفعل هذا؟ يمكننا استخدام فوطة، أو إسفنجة، أو ممسحة، أيهما تفضل؟
وبعد أن انتهيا من تنظيف اللّبن المسكوب، قالت: إن ما لدينا هُنا هو تجربة فاشلة في حمل زُجاجة كبيرة من اللّبن بيدين صغيرتين، دعنا نخرج إلى الفناء الخلفي، ونملأ الزُّجاجة بالماء ونرى إن كان بمقدورك اكتشاف طريقة تحمل الزّجاجة بها دون أن تُسقطها."
تأثرت بقصته كثيراً وكانت سبباً في تغيير طريقة توجيهاتي بالنسبة لطفليَّ وخاصة ابنتي الصغيرة فبدلاً من اتباع أسلوب التلقين والتوجيه أصبح بمقدوري الآن أن أقدم لها بعض القواعد المتينة لحياتها وأكسبها متعة التعلم من التجارب وأن أحول استخدامي لكلمات خطأ ومؤذي وخطر إلى إقناعها بالسبب وإعادة تجربة ما كانت تحاول فعله بطريقة ناجحة.
نجحت معها في كثير من المواقف ولكن هذه المواقف الثلاثة كانت أهمها...
عادة ما كانت طفلتي تمتنع عن توضيب ألعابها بعد اللعب بها، وحاولت معها بأكثر من طريقة ولكنها كانت دائمة التململ، خطرت في بالي فكرة وقلت لها: "لنجرب عدم ترتيب الألعاب لأكثر من يوم!" وكان ذلك.
ثم بدأت بسؤالها إذا كانت الغرفة مرتبة وجميلة وإذا كانت تستطيع إيجاد ألعابها بسهولة؟ فعندما وصلت لطريق مسدود وبدأت في مساعدتنا في توضيب الغرفة لاحظت الفرق واقتنعت باتباع هذه العادة!
الموقف الثاني وهو قطف النباتات العشوائي...
كانت تحب قطف النباتات والورود كثيراً من أي مكان، وحاولت مراراً أن أثنيها عن ذلك وكنت أريها كيف تموت النبتة وتذبل ولكنها لم تعرني انتباهها، حتى قررت أن أجعلها تزرع معي بعض النباتات حتى تراقبها وهي تنمو وتعتني بها... وبعد فترة قمت بسؤالها إن كانت تود قطفها؟ رفضت وبشكل تام.
أما الموقف الثالث الذي أرقني كثيراً وهو القفز من أي مكان دون التفكير بتبعاته!
عندما قررت التوقف عن قول: "توقفي وانتبهي ولا تقومي بذلك."، رأيت بأن عليّ شرح ماهية الموضوع بحذافيره حتى تفهم مدى خطورته. أولاً قمت بشرح -بطريقة مبسطة- مبدأ العظام في جسمنا وشاهدنا فيلم كرتون يتحدث عن العظام والهيكل العظمي مما شد انتباهها وخاصة عندما بدؤوا بشرح طرق المحافظة على صحة الهيكل العظمي من شرب الحليب وعدم القفز وغيره من الوسائل، كما قمت بنمذجة عظام الساق بحبة معكرونة وكيف أنها تنكسر بالضغط عليها بقوة.
منذ ذلك الحين أصبحت أكثر حذراً، الأمر الذي أسعدني كثيراً.
من الصحيح أن هذا الأسلوب قد يأخذ وقتاً أطول من التأنيب والتنبيه إلا أن مفعوله طويل الأمد، كما أنه يعطينا الفرصة للاستمتاع مع بعضنا البعض في خوض تجارب جديدة معاً لفهم الحياة والبحث عن حل المشكلات كفريق واحد. وهذه مهارات حياتية يحتاجها الطفل إذ لاحظت أنها بالفعل بدأت تفكر بأساليب مختلفة للوصول إلى أهدافها بدلاً من أن تدير ظهرها وتقول أن ما كانت تحاول فعله خطأ ولن تجدي المحاولة!