قصص أمهات
بشرة خير... تعلَّمت أن أقول لا
لم يكن قد تعدى على زواجي الثلاثة أشهر حين اكتشفت بأنني حامل، كان خبراً صادماً ومزعجاً بالنسبة لي - لأنني وبكل بساطة لم استيقظ بعد من غفوتي كعروس فأنا بطبيعتي احتاج وقت لأتكيف مع أي وضع جديد في حياتي... فكيف سأصبح أماً وأنا لم أفهم بعد واجباتي كزوجة وربة بيت؟ وفي سرِّكم... لم أكن حتى اعرف كيف أتعامل مع زوجي فأنا لم أتعامل مع رجل من قبل إلا مع أبي وأخي!
كل من حولي فرح لهذا الخبر خاصة أمي وإخوتي فهو أول حفيد لعائلتي أما أنا كنت أشعر بالخوف الشديد ولم أكن مستعدة لهذه الخطوة الجديدة في حياتي... صدقاً كنت مرعوبة... لأنني "عروس" كانت هناك قرارات كثيرة من حولي تؤخذ عني؛ مثل قرارات حول الطبيبة المتابعة لحملي وقرارات حول مكان ولادتي وقرارات حتى فيما يخص اسم طفلي...
كنت خجولة في طبعي كلمة "لا" لم تكن ضمن قاموس حياتي فكنت أشعر أحياناً بأنني أقل من أن أختار وأقل من أن يكون لي قرار حتى ولو كنت أنا صاحبة السلطة... كانت كلمة "لا أعرف" أو "متل ما بدكم" أو "ما بتفرق" أو "ما عندي مشكلة" اختياراتي فأصبحت هذه الاختيارات خيار الآخرين من حولي ليقوموا بأخذ القرار عني وتسيير حياتي!
المهم، جاء "بشار" ومعنى بشار أي من يقوم بإيصال البشرى السارة للآخرين. كانت فعلاً بشرى سارة للجميع إلا أنا... لم يكن هذا شعوري على الإطلاق، فقد جاء بشار في ظروف قاسية، ظروف كنت فيها وحيدة بكل معنى الكلمة... زوجي في سفر وأنا وحيدة مع طفلي وعائلتين؛ عائلة زوجي وعائلتي من أمي وأبي! وبما أنني خجولة واهتم برضى الآخرين ولأنني دائماً "لا أعرف" كنت أشعر بالتعب الشديد ليس فقط بسبب السهر مع ابني ولكن لإرضاء جميع الأطراف وأن أقوم ب "اللي بدهم اياه"!
حتى جاء اليوم الذي علمت فيه أن بشار مريض في القلب ويحتاج إلى عملية خلال شهر. كان بشار يجد صعوبة شديدة في التنفس وكان يشعر بتعب عندما يرضع وهذا كان يحتم عليَّ أن أرضعه كل نصف ساعة حتى أضمن أن يأخذ الكمية اللازمة دون أن يتعب هو أو قلبه. كان قلبي يؤلمني كلما راقبته وهو يتنفس... نَفَسُهُ كان بطيئاً، بطيئاً جداً... وأنا أكتب هذه الكلمات أشعر بنفس ذلك الألم... لم يتغير الوجع الموجود في قلبي... وجع لن يفهمه أحد إلا من فقد عزيز حتى ولو كان طفلي لم يتعدَّ الثلاثة والثلاثون يوماً..
عندما حان وقت القرار، كلمة "لا أعرف" لم تعد تنفع وكلمة "متل ما بدكم" لم تساعدني. فكان أمامي قرار لاختيار نوعين من العمليات المحتملة لحالة طفلي بشار: الأولى إن نجحت، سيتعذر عليه اللعب والركض أو ممارسة الحياة الطبيعية كأي طفل ويجب أن أراقبه باستمرار. أما الثانية، أيضاً إن نجحت فإنه سيكون طفلاً طبيعياً وإن لم تنجح فسيسلم الروح أثناء العملية!
قمت باتخاذ القرار... كان أول وأصعب قرار اتخذته في حياتي.
توقف قلب بشار أثناء العملية وتوقف قلبي معه... لم أعرف إن كنت قد اتخذت القرار الصحيح في ذلك الوقت ولكني واثقة بأنه كان القرار الأفضل له ولحياته... كانت أصعب ظروف في حياتي، كنت صامدة ولكن متألمة جداً، شاكرة ولكن في نفس الوقت مستفهمة.
مات بشار وترك لي علامة فارقة في حياتي، تعلمت من هذه التجربة الكثير، تعلمت أن أقول "لا" عندما أشعر بذلك، وتعلمت أن أعرف ما أريد وأحدد ماذا أريد؛ حتى لا أكون جزء من قرارات وخيارات غيري. ساعدتني هذه التجربة أن أعلِّم أولادي ما تعلمته من تجربتي مع بشار فكلمات "مثل ما بدك" أو "مش عارف" لم تعد في قاموس حياتهم حتى لا يقرر غيرهم عنهم ويصبحوا جزء من قرارات الاخرين!
في ذكراك يا ولدي أشكرك، لأنك كنت طفلاً رائعاً. سامحني لأنني لم أحبك ولم أرغب في وجودك في البداية، فأنت الذي غيَّر حياتي وجعلني أماً واثقة من أجل إخوتك سيف وجولي.
شكرا يا قلبي لأنك أعطيتني قلبك الضعيف فأصبحت به أماً قوية واثقة صامدة تعرف ماذا تريد. لن أصبح أبداً مشروع غيري ولن أكون أبداً جزءاً من قرارات وخيارات من حولي ستبقى ذكراك في قلبي يا بشرة الخير والسرور لبيتنا وإخوتك.