قصص أمهات
حياة الأم بين تنظيم الوقت وتدبير البيت
جلست لأبدأ الكتابة، وأمامي لوحة فنية تجريبية أنهيتها بالأمس، ومجموعة كتب اقرأها حالياً، وأخرى وضعتها جانباً لأركز فيها لاحقاً، وبعض الأوراق والأشياء المتناثرة (وإن لم تكن سيئة المنظر!)، وابنتي ترتب أقلامها فوق مكتبها الصغير المجاور لمكتبي وتحدث نفسها بمختلف الحكايات التي أفهم بعضها وأجهل بعضها الآخر! لأقرر وسط هذا الجو المزدحم أن أكتب عن موضوع يؤرقنا نحن الأمهات: كيف أجد الوقت لفعل كل ما أريد فعله؟!
اسمحوا لي أن أبدأ أولاً بدحض هذه الكذبة؛ فلا يوجد وقت كافٍ في يومٍ واحد للقيام بكل ما نريد القيام به، أو كما تقول أوبرا وينفري: “يمكنك الحصول على كل شيء، ولكن ليس في الوقت نفسه”. لذا، من الضروري أن نحدد ما نريده في الوقت الحالي، وما نريد تأجيله لاحقاً، وأن نحدد مقدار الإنجاز الذي نريده بحيث نشعر بالرضا حتى لو لم يكن الأمر مثالياً أو منتهياً تماماً.
لكي أوضح تلك العبارة الأخيرة، سأشارككن تجربتي في موضوع تنظيف المنزل وترتيبه. في الواقع، لم يكن علي حمل كبير من هذه الناحية قبل الزواج (كما هو حال الكثيرات)، لكن بعد الزواج اختلف الأمر، ورغم قدرتي على الترتيب، إلَّا أنَّ التنظيف المستمر كان صعباً علي، إلى أن قررت أن أطور نفسي من هذه الناحية واشتريت كتاباً رائعاً بعنوان “Clean My Space”، وكانت فيه فكرة مميزة جداً أراحتني وسهلت عليّ أمر التنظيف؛ ألا وهي:” الأماكن الأكثر أهمية. وتشرح المؤلفة ميليسا ميكر كيف أنَّه من الضروري التنظيف الشامل كل فترة وأخرى، لكن التنظيف اليومي لا يجب أن يكون مرهقاً ولا مستهلكاً لمعظم اليوم، لذا، عليكِ تحديد الأماكن الأكثر أهمية بالنسبة إليكِ في المنزل، وتحديد مقدار الاهتمام الكافي الذي ستمنحينه لها؛ فإمَّا أن تزيلي الفوضى وترتبي تلك المنطقة فحسب، أو أن تنظفيها جيداً بالمنظف والفوطة وأن تكنسي المكان. هذا النظام ساعدني في وضع قائمة أعود إليها كل صباح؛ تبين الأماكن المهمة وكيف أريدها أن تكون: مرتبة فقط، أم مرتبة ونظيفة معاً، ومع الالتزام بها، فإنها لا تستغرق أكثر من نصف ساعة يومياً.
أدري أن هنالك الكثير من التساؤلات التي تدور ببالكِ الآن: ماذا عن فوضى الأطفال المستمرة؟ وماذا عما أريد أنا فعله؟ وماذا عن…؟ وماذا عن…؟ سأشارككن بعض ما ناسبني شخصياً وجعلني أشعر بنوع من التحكم بالأمور، وبعض ما سمعت عنه أو شاهدته من تجارب.
وفي النهاية، لكل منا أسلوب حياتها الخاص، وتستطيع اختيار ما يمكن أن يناسبها من أي اقتراحات أمامها في الوقت الذي يلائمها.
-
وقتي الخاص:
من الضروري أن يكون لكِ وقتكِ الخاص مهما كانت الظروف؛ وقد اخترت هذا الوقت فجراً في كل صباح، إذ أستيقظ باكراً قبل بقية أفراد الأسرة، وأمضي أول ساعة من يومي في احتساء قهوتي وتخطيط يومي وبعض القراءة التي تهمني. هذا الصباح الهادئ يساعدني في العمل لاحقاً وفي الشعور بالنشاط بقية اليوم إذ اقتطعتُ وقتاً لي أنا فقط.
-
التنظيف:
عدا عن فكرة الأماكن الأكثر أهمية التي شرحتها أعلاه، فقد قررت التنظيف مرة واحدة في اليوم فقط، حتى لو قُلب البيت رأساً على عقب لاحقاً!! من المهم أن تحددي الوقت الأنسب لكِ؛ فهل هو صباحاً وأنتِ نشيطة، أو مساءً قبل أن يعود زوجك من العمل مثلاً؟ هنالك فكرة أخرى وجدتها تساعدني؛ وهي مشاهدة مقاطع فيديو سريعة عن تنظيف وترتيب المكان الذي سأقوم بتنظيفه في المنزل؛ إذ أنَّ رؤية امرأة أخرى تقوم بما سأقوم به تشجعني كثيراً على الإنجاز بدوري!
ملاحظة: أشركي أكبر عدد ممكن من أفراد الأسرة في هذه العملية! حتى الأطفال يحبون المساعدة طالما يرونكِ نشيطة ومتحمسة، فيريدون أن يشاركوا في هذه الحماسة أيضاً!
-
العمل من المنزل:
اتخذت قرار العمل من المنزل وعدم العمل خارجه في الوقت الحالي لأسباب كثيرة خاصة. هذا يحتاج إلى تحديد وقت ومقدار محددين من العمل كي لا أشعر بالإرهاق أو يستغرق معظم يومي (وهو أمر تكرر عدة مرات!)، بحيث يؤثر عليّ وعلى أسرتي. وحتى لو كنتِ تعملين خارج المنزل، من الضروري أن تبقي العمل في مكان العمل وأن لا تأخذي منه شيئاً إلى المنزل قدر استطاعتكِ؛ وأن تفصلي بين هذين العالمين كي تتمكني من التمتُّع بكليهما. هل تعلمين أن هناك دراسات ربطت بين كثرة الإجازات وزيادة الإنتاجية في العمل؟! نعم، الإنتاج ليس مقتصراً على طول ساعات العمل (التي تقلل الإنتاجية فعلياً)؛ بل على الموازنة بين مختلف النواحي.
-
ممارسة الهوايات:
في الحقيقة، مهما أكدت على هذه النقطة فإنني أكون مقصرة في حقها؛ فالهوايات الخاصة بكل منا هي ترويحنا الشخصي، وملاذنا الذي يريح أعصابنا في زحمة الحياة، والذي يشعرنا بالإنجاز في أمور صغيرة تفرحنا. حتى لو كان أطفالك يستغرقون وقتكِ، فحاولي دوماً ممارسة هوايتكِ حتى لو أشركتِهم معكِ، أو خصصتِ لهم نشاطاً محدداً لا يمارسونه إلا في هذا الوقت الذي تقومين به بالعمل على هواياتك. ابنتي تساعدني في هواياتي الفنية مثلاً، لكن عندما أقوم بإعداد مقالاتي الأسبوعية (نعم! الكتابة هوايتي!) فإنها تلعب حولي عادةً لأنها تعلم أنني أقوم بعمل مهم طالما أن الحاسوب يعمل.
-
الأنشطة الاجتماعية:
اصنعي جدول خاص للأنشطة الاجتماعية مع الأقارب والأصدقاء بحسب ما يناسبكِ، وحسب الأولويات في حال وجود مناسبات معينة، لكن لا ترهقي نفسكِ بها ولا تشعري بالذنب إذا تأخرتِ فيها. لكلٍ منا انشغالاته وأولوياته في علاقاته، ومن المهم أن تكون هذه الأولويات خاصة بكِ وليست خاصةً بهم.
-
تدريس الأبناء:
في الواقع، فقد بدأت بتجربة التعليم المنزلي لابنتي حيثُ أنَّهُ خيار متاح في البلد التي نعيش فيها، وهذا يستغرق وقتاً وجهداً، ولكن من المهم ألا يطغى على بقية نواحي الحياة. لذا، من المهم أن يكون الأمر كذلك لكل أم: الدراسة جزء من الحياة، وليست كامل الحياة. علِّمي أولادكِ الأساسيات ودعيهم ينطلقون في دراستهم وحدهم دون مبالغة في التدريس، إلّا لو كانت هنالك أمور قليلة مستعصية، لكن إذا كان كل شيء مستعصياً فهنالك مشكلة! تحدثي مع المدرسة لو احتاج الأمر. واسمحي لهم بعيش حياتهم أيضاً وترتيب وقتهم وأولوياتهم بدورهم حسب ما يسمح به عمرهم.
-
رعاية الزوج:
في خضم رعاية الأبناء، قد نتساهل في مراعاة الزوج أحياناً لأنه “كبير” و”الأولاد أولى الآن”! ولكن في الواقع، يحتاج هؤلاء الأولاد إلى والدهم، ومن الضروري تخصيص وقت له. اتفقي مع زوجك على أشياء تقوموا بها من فترة إلى أخرى حسب وقتكما، وليكن هنالك دوماً ما تتطلعان إلى مشاركته معاً: الحديث، مشاهدة فيلم، الخروج معاً، أو أي شيء آخر. أهم ما يحتاج إليه زوجك هو كلمات التقدير والمودة من حين إلى آخر، بمناسبة أو من دون مناسبة.
في النهاية، أذكركن بأمرين: أولاً ليس من الضروري إتقان كل شيء 100%، فهذا أمر مستحيل. وثانياً: هناك جوانب ستطغى أحياناً على البقية، لسبب طارئ أو لظرف معين لديكِ، لكن من المهم ألا يكون هذا الوضع مستمراً. وفي هذا السياق، أتذكر حواراً لي مع صديقةٍ سألتها كيف تتدبر أمرها مع كل أولادها ومع عملها وفي المنزل أيضاً، فقالت لي: “علامة النجاح هي 50%، فطالما أنني أنجزت 50% مما عليّ في أي ناحية فقد نجحت!” ومنذ أن سمعت هذه العبارة وأنا أتذكرها في كل مرة أشعر فيها أنني مقصرة أو لم أنجز كل ما أريد على الوجه الذي أريده. فتذكري: 50% تكفي، وكل ما زاد عليها فهو إضافة جيدة!