صحة الأطفال
ظاهرة التنمر: علاماتها وأسبابها وكيف نتعامل معها
لقد أشبع موضوع التنمر بحثاً وتناولاً بين أوساط التربويين والمهتمين بالشأن الاجتماعي والنفسي، وقد لوحظ أن هذا الأمر تدريجياً تحول لظاهرة بحاجة لتسليط الضوء عليها وتناولها من جميع الجوانب من أجل التصدي لها والقضاء عليها.
إن المؤسسات التربوية ولاسيما المدارس تهتم بشكل كبير في مراقبة ومتابعة هذه الظاهرة من أجل السيطرة عليها في حدودها الدنيا لضمان بيئة تربوية ومدرسية آمنة وخالية من العنف.
التنمر كما أجمع عليه الجميع هو سلوك عدواني غير مرغوب به، يمارسه فرد أو فريق لديهم نزعات عدوانية ضد فرد أخر أو مجموعة من الأفراد، وتنتشر هذه الظاهرة بشكلٍ أكبر بين طلبة المدارس، ويقاس التنمر بعدد مرات تكراره وشدته.
وهو في النهاية يعبر عن وجود خلل في ميزان القوة والسّلطة بين الأفراد؛ حيث إن المتنمرين يلجؤون إلى استخدام القوّة البدنيّة لتحقيق مطلبهم وحاجتهم. وفي النهاية يعتبر الطرفين المتنمر أو المتنمر عليه مشروع حالة نفسية بحاجة لعلاج.
أشكال التنمر
تتعدد أشكال التنمر الممارسة من قبل المتنمرين:
-
التنمر البدني:
وتأخذ شكل الضرب وشد الشعر والدفع والركل وكل أشكال العنف البدني الذي يولد ألم بدني ونفسي. -
التنمر المعنوي اللفظي:
ويكون باستخدام الألفاظ النابية والشتم والمعايرة والاستهزاء. -
التنمر الاجتماعي:
ويكون من خلال الإقصاء من المجموعات وفرض العزلة وتحريض الأصدقاء بالابتعاد عن الفرد أو المجموعة المتنمر عليها. -
التنمر الالكتروني:
يتم من خلال الأجهزة الالكترونية والأجهزة الذكية عبر شبكات الإنترنت أو حتى الهاتف، وينطوي على التهديد والأذى النفسي.
تعد الأشكال المذكورة الأبرز بين أشكال وأنماط التنمر والأكثر شيوعاً ورواجاً بين الطلبة على وجه التحديد.
علامات تدل على التنمر
هناك علامات من شأنها أن تكشف لنا عن انتشار ظاهرة التنمر ومن هذه العلامات:
-
تراجع المستوى الأكاديمي بشكل ملحوظ، والإحجام عن المشاركة في الأنشطة المدرسية والفعاليات المختلفة.
-
الانطواء والابتعاد عن مجموعات الرفاق.
-
الشعور بالخوف الدائم.
-
الشعور بالضعف من خلال الاستجابة للتهديد.
-
تقلب المزاج بشكل سريع والانفعال الزائد والعصبية.
-
التغير في السلوك بشكل ملحوظ.
-
التخلي عن الممتلكات الشخصية بسهولة كوسيلة دفاع عن الذات ورد للمتنمرين.
ويرد إلى أذهاننا لماذا يتنمر الأفراد؟ وهل هذه الفئة من الناس سوية؟ أم أن هناك أسباباً وراء هذا السلوك غير المقبول؟
أسباب التنمر
يعتبر المتنمر كما قلت سابقاً حالة غير سوية، تدفعه عوامل نفسية واجتماعية للقيام بهذه السلوكيات غير المقبولة، ومن الأسباب التي تدفع بصاحبها للتنمر نورد هنا بعضا منها:
-
نمط التربية الأسرية
حيث أن الأسر التي تعتمد النمط السلطوي الذي لا يخلو من العنف في توجيه أفراد الأسرة، من شأنه أن يخلق حالات تبحث عن وسيلة لتفريغ شحنات العنف المخزنة بطرق خاطئة ومؤذية انتقاماً لما تعانيه في محيط الأسرة. -
الإهمال وعدم الاهتمام
الذي يتعرض له الفرد من قبل الأسرة أو مجموعات الرفاق وبشكل متعمد من شأنه خلق ردود فعل عنيفة تجاه الآخرين. -
الغرور والاستعلاء
حيث أن كثيراً من الأفراد يعتقدون أنهم يملكون من الصفات أو المميزات التي تمنحهم القوة وتعطيهم العذر للتنمر على غيرهم. -
ضعف الثقة بالنفس الناشيء عن الخلل في التنشئة الأسرية والشعور بالتهميش والإهمال.
-
الغيرة الزائدة
والتي في معظمها تكون أسرية المنشأ من خلال التمييز بين أفراد الأسرة أو من خلال المواقف المختلفة في البيئة المدرسية، والتي تؤدي إلى الخروج عن المعايير الأخلاقية للانتقام ولفت النظر.
-
التحريض على العنف من خلال وسائل الإعلام والبرامج التي تحمل إشارات تحرض على العنف، وتجعل من المتنمر شخصاً متفرداً.
-
الألعاب الالكترونية المختلفة والتي في معظمها تعتمد على العنف والقوة لتحقيق الهدف.
سمات المتنمر والمتنمر عليه
إن كلاً من المتنمر والمتنمرعليه تبدو عليهما سمات تلفت نظر المتخصصين في الشأن التربوي مما يدعوهم للتدخل من أجل تقديم العلاج للطرفين.
من سمات المتنمِّر مايلي:
-
العدوانية والرغبة في التحكم وإدارة المواقف بشكل سلطوي واستعلائي.
-
اللجوء إلى القوة في حل المشاكل والصوت العالي.
-
عدم مراعاة مشاعر الآخرين.
-
عدم التسامح حتى في أبسط المواقف والظروف.
-
اللجوء إلى التهديد بأشكال مختلفة للحصول على ما يريد.
-
رفض الاستماع إلى وجهات النظر المختلفة والتمسك برأيه اعتقاداً منه أنه على حق دائماً.
-
الاستهزاء والتقليل من قيمة الآخرين.
-
حب الظهور من خلال الحركات والسلوكات التي تعكس قوة حتى ولو كانت قوة مزيفة.
-
عدم الاعتذار عند الخطأ والتمسك بالرأي.
-
حقود ولا يعرف الصفح أبداً.
أما الطرف الثاني من هذه الظاهرة وهو الشخص المتنمر عليه، فتبدو عليه سمات، يتم ملاحظتها هنا أكثر من الطرف الآخر لما يحدثه التنمر من آثار نفسية سلبية تؤثر على حياة الفرد برمتها.
من بعض سمات المتنمر عليه:
-
الانطواء والعزلة ورفض العمل ضمن مجموعات.
-
الغياب المتكرر عن المدرسة.
-
عدم المشاركة الصفية.
-
ظهور بعض الأعراض كالجروح وبعض الرضات على الجسد في حال تعرض الفرد لتنمر بدني.
-
فقدان الشهية والامتناع عن الأكل.
-
التنازل للآخرين حتى عن الأغراض الشخصية.
-
الأحلام المزعجة والفزع أثناء النوم.
-
لوم النفس وتبني الأخطاء والمواقف السلبية.
-
العصبية الزائدة والمزاجية.
-
الخجل والخوف من التعبير عن الذات.
ونظرا للأبعاد السلبية الناجمة عن هذه الظاهرة المقلقة، لابد من التدخل لمواجهتها والعمل على الحد منها إلى أقصد درجة ممكنة وخاصة في المجتمع المدرسي، الذي يُصب جل اهتمام التربويين فيه على إيجاد وخلق البيئة الآمنة والسليمة التي تكفل الجو الهاديء للإبداع وانطلاق الطاقات الخلاقة عند الجيل الصاعد.
دور الأهل في مواجهة ظاهرة التنمر
من أبرز أوجه التصدي لظاهرة التنمر ما يقع على عاتق الأسرة، حيث أن الوالدين يلعبان دوراً مهما للغاية في الحفاظ على سلامة الأبناء وتوفير الظروف التي تعمل على التوازن النفسي والاجتماعي لهم.
لذا فإن أول خطوة تجاه التصدي تبدأ من البيت وتكون كالتالي:
-
إشعار الأبناء بالأمان والراحة وأن البيت الملجأ الآمن ومكان تفريغ الشحنات السلبية والعصبية من خلال حسن الاستماع والهدوء في حل المشكلات المختلفة.
-
توعية الابناء وتثقيفهم حيال حركات العنف التي يمارسها البعض وتدريبهم على كيفية ضبط النفس وتجنب المواقف التي تثير الغضب، وذلك من خلال الوعظ الديني والأخلاقي وسرد القصص المختلفة.
-
قيام الوالدين بتعزيز ثقة الأبناء بأنفسهم وبما يملكون من سمات متفردة خاصة بهم.
-
إلحاق الأبناء بالأندية الرياضية أو الفنية من أجل قتل الفراغ الذي يؤدي إلى افتعال المشاكل ويعمل على بناء العلاقات وتقبل الآخرين.
-
اللجوء إلى الاستشارة من قبل المتخصصين الاجتماعيين والنفسيين من وقت لأخر لضمان توجيه الأبناء بشكل صحيح وعلمي.
أما الشخص المتنمر عليه، فعليه أن لا يظهر أية رد فعل انفعالية عصبية حتى لا يفتح المجال أمام المتنمر للاستزاده في تنمره، بل عليه أن يكون قوياً يدافع عن نفسه أو أن يتجنب المواقف التي يظهر فيها المتنمر. كما ويجب عليه أن لا يستخف بنفسه أبداً، فلا يظهر ضعفاً مهما كان الموقف.
كما أن أي شخص بإمكانه أن يكون ذكياً في اختيار وانتقاء الأصدقاء الذين يزيدون من قوته وثقته بنفسه، وأهم ما نلفت النظر إليه هو عدم اللحاق بمجموعة المتنمرين وتقمص سماتهم والتعامل بالمثل ظناً أن هذا الطريق هو طريق الخلاص.
دور المدرسة في مواجهة ظاهرة التنمر
أما ما يتوجب على المدرسة القيام به لمنع التنمر داخل المجتمع المدرسي، فإنه يكون من خلال الدور الذي تلعبه الإدارة المدرسية ومجتمع المعلمين بالإضافة إلى دور الأخصائي الاجتماعي، الذي يلعب الدور الأكبر في نشر البرامج التوعوية من خلال استراتيجية العمل البنائي والوقائي.
ومن أبرز ما يمكن للمدرسة القيام به:
-
وضع القوانين واللوائح السلوكية وتوعية الطلبة بها والتي تفرض عقوبات شديدة بحق من يخالفها ولا سيما في البنود المتعلقة باستخدام العنف أو الاستقواء داخل الحرم المدرسي.
-
إيجاد بيئة مدرسية أمنة من خلال توفير الظروف التي تساعد على التعلم ونبذ الخصام والصراع بين الطلبة.
-
وجود رقابة دائمة وتتبع للسلوكيات غير المقبولة في المدرسة من قبل بعض الطلبة.
-
تعزيز التعاون والعمل الجماعي والتسامح بين الطلبة، من أجل تقبل بعضهم البعض على اختلاف جنسياتهم وألوانهم ومعتقداتهم.
-
التركيز على الوازع الديني من خلال الترغيب والترهيب.
-
دعم ثقة الطالب بنفسه من خلال تعزيز ما يقوم به من أنشطة وإنجازات داخل المدرسة.
-
الحرص على تنظيم الأنشطة المختلفة التي تظهر إبداعات وتميز الطلبة ولاسيما الأنشطة الرياضية التي تساعد على تفريغ الطاقات الزائدة بشكل مفيد وسليم.
-
أن يظهر المعلم كقدوة للطالب من خلال عدالة التعامل مع طلابه وعدم التمييز بينهم.
اعتقد بأن موضوع التنمر وإن تم بحثه كثيراً والتحدث عنه من جوانب عدة ومختلفة يبقى بحاجة إلى الاستمرار في تناوله والتوعية به، لما له من آثار سلبية على الفرد والمجتمع وتعطيل الطاقات وقتل روح الإبداع وخلق جيل عدواني يثير الكراهية ويزيد من انتشار الظلم