قصص أمهات
إلى المنزعجين من الرضاعة الطبيعية في العلن... كفى!
بقلم: باسنت إبراهيم لمدة عام وثمانية أشهر تقريبًا، كان غطاء الرضاعة جزءًا أساسيًا من ملابسي عند الخروج من المنزل، لم أجد في ذلك ضيقاً أو حرجاً، كنت أذهب بطفلتي الرضيعة ولا زلت لكل بقاع الأرض وأرضعها متى أرادت وأينما طلبت، لم يزعجني إرضاعها في إجتماعات العمل أو جولة التسوق أو حفل زفاف الأقارب، لم أنزعج أبدًا ولم أجد أية غرابة في مظهري كأم تتجول أو تجلس في مكان عام حاملة رضيعتها تحت غطاء جميل المظهر، ترضعها حبًا وحليبًا... الحقيقة أن المارة من عموم الناس هم من كانوا ينزعجون! قبل الولادة، كان قراري أن أبذل ما في وسعي لأرضع طفلتي رضاعة طبيعية خالصة طالما وهبني الله القدرة والرزق لذلك، ساعدني الله واستطعت بكثير من الجهد والإصرار والإرهاق والمعاناة من إتمام رضاعتها. أخبرني الكثيرون أن الرضاعة الطبيعية قيد غليظ في رقبة الأم، لن تستطيعي الخروج للعمل، حياتك الاجتماعية انتهت حتى الفطام تقريبًا، لن تحضري مناسبات خاصة، انسي جولات التسوق والنزهات الصباحية، يبدو الذهاب للشاطئ درب من الخيال بعد الآن. نفس الأشخاص من يحكمون على الأم التي ترضع طفلها حليبًا صناعيًا بأن أمومتها ناقصة. لحظة..
لم كل ذلك؟ هل يعني أنني أم اخترت إرضاع طفلتي طبيعيًا أن حياتي ستتوقف لمدة عامين تقريبًا؟ هل كُتب عليّ الاعتكاف بالمنزل والاختفاء عن الحياة في كهف الرضاعة فقط.. وهل يعني أن الأم التي اختارت الحليب الصناعي آثمة؟
اخترت الحل الأصعب للمحيطين والأنسب لي، صممت أذني عن حديثهم ومارست حياتي كما أردت. اصطحبت صغيرتي معي في كل مكان، ولكننى مع أول خطوة في مكان عام، مرتدية غطاء الرضاعة، صُدمت للغاية عندما نظر لي عدد من السيدات باشمئزاز وكأنني أفعل فاحشة أو عملاً مرفوضًا، تجاهلت، وعُدت لمنزلي بيقين وإصرار أكثر على ما أفعل ولكن لم تتركني صدمة، أن من فعل ذلك نساء مثلي. في بلدتي الجميلة، لا ينظر أصحاب المتاجر والمطاعم والمتنزهات لمصلحة الأم المرضعة، بعض الأماكن تكتفي بمكان ضيق كريه بحمام السيدات أو جواره ليخبرونك أنه غرفة رضاعة، والحقيقة هي غرفة لا تسمح لأي كائن حي بالجلوس أكثر من 5 دقائق ليختنق ضيقًا بعدها... في كل مرّة كنت أتجول بطفلتي في مكان عام ثم أجلس لأرضعها، كنت أواجه نظرات ساخرة ورافضة ومشمئزة، وللمفاجأة، أغلب من ينظرن سيدات وفتيات ليسوا ببعيدات عن عام الأمومة. هل عليّ أن أرضع طفلتي بالمرحاض أو بغرفة الفئران –كما أسميها- ليستريح المارة من عبء مشاهدة أم تتلحف بغطاء رضاعة أنيق! يا للسخرية حقًا. يصعب عليّ فهم ما هو المزعج حقًا في مشاهدة أم مرضعة في مكان عام تغطي ثدييها وطفلها؟ هل خُلقت أثداء النساء فقط للإثارة وليس الرضاعة؟ لماذا عندما يقمن بمهمة شرعها الله وأحثنا عليها يصبح الأمر مزعج ومشمئز للمحيطين؟ إحدى السيدات لم تكتف بنظراتها الغاضبة، توجهت نحوي بكل شراسة قائلة أنه علي البحث عن غرفة الرضاعة في المتجر الشهير الذي أنشئ على مساحة شاسعة بأدوار متعددة واكتفى بغرفة مساحتها أمتار قليلة في آخر بقعة تفتقد التهوية والنظافة... وعندما رددت بكل هدوء أنني لست منزعجة، وإن كانت تشعر بالضيق فبوسعها أن تذهب هي وليس أنا، في هذه المرحلة تخطيت الصدمة لجراءة أصحاب الحقوق. عام وثمانية أشهر أكافح يوميًا نظرات السيدات المتعلمات اللاتي يعتبرن الأم المرضع في العلن وصمة عار ومظهر مؤذي للعين، بينما يغضنّ الطرف عن مشاهد أخرى لا مجال لذكرها. كم من صديقة ليّ أصابها الاكتئاب ولم يكن لديها القوة على المكافحة والاستمرار في ممارسة حقها لإرضاع طفلتها في أي مكان طالما لا تضر أحد؟ كثيرات هن، كثيرات اعتكفن المنزل وساءت حالتهن النفسية بسبب نظرة أو كلمة أو ضحكة سخرية، كثيرات تخلين عن الرضاعة الطبيعية لأجل أعين الناس، كثيرات انتهت حياتهن الاجتماعية لأنهن فقط أمهات مرضعات! أحدثكم الآن من الجهة الأخرى، بعد الفطام، حين أذهب للتجول بصغيرتي وأشاهد أم ترضع طفلتها في مكان عام، أغمرها بكثير من نظرات الحب وإيماءات الدعم، أبحث في محيطها عمن يؤذيها بنظراته وأصد آذاهم قدر استطاعتي. أرجوكم، كفوا أعينكم وسخريتكم بعيدًا عن الأمهات المرضعات، اتركوهن يحصلنّ عن حقوقهن المشروعة وجزء من الحرية والترفيه والاستمتاع بالأمومة، إذا كان مظهرهن يؤذي أعينكم، أشيحوا بوجوهكم بعيدًا، على الأقل حتى تمرّن بنفس التجربة وتذيقوا الكأس.. ثم أخبروني كيف حالكم حينها؟