قصص أمهات
مذكرات أم عاملة: هل تقبلين بالخيار الثاني؟
الحلقة الثانية
ما من شئ يضاهي فرحة الأم برؤية أداء طفلها في عرض مدرسي، و ما من شئ يضاهي ألم عدم قدرتها حضور مثل هذا العرض.
قبل عدة أسابيع، وفي صباح يوم الأحد، وصلتني دعوة لحضور عرض مدرسي لابني الصغير في يوم الخميس من نفس الأسبوع. كان هذا الأسبوع مكتظاً بالاجتماعات، وبالرغم من محاولاتي العديدة لتعديل المواعيد، إلا أنني لم أستطع أن أخلي صباح يوم الخميس لحضور العرض.
كيف أخبره بذلك؟! لا يوجد موقف أصعب من هذا. "ماما، أريدك أن تأتي... لقد عملت بجد وتدربت طويلاً! يجب أن تأتي لتشاهدي أدائي. جميع الأمهات سيحضرن ..." آخ، يا لوقع هذه الكلمات الأخيرة. أجبته: " حبيبي، ليست كل الأمهات عاملات، أنا آسفة جداً، لقد حاولت أن أعيد ترتيب اجتماعاتي، ولكن لم ينجح الأمر. و لكن أتعرف ما الرائع في الأمر؟ بابا سوف يحضر الحفل!!" حاولت جاهدة أن أثير حماسه، ولكن نظرته كانت معبرة بما فيه الكفاية، نظرة مليئة بالحزن وخيبة الأمل.
ما من شئ يضاهي فرحة الأم برؤية أداء طفلها في عرض مدرسي، و ما من شئ يضاهي ألم عدم قدرتها حضور مثل هذا العرض.
من المؤكد بأتك قد مررت بمثل هذا الموقف، تخرج كل الأمور عن السيطرة، وليس بوسعك تغيير الواقع. فما العمل؟ كالعادة، نقوم بالتفكير وإعادة التفكير وتعقيد الأمور، وكلما فكرنا أكثر، كلما توصلنا إلى نفس النتيجة، ألا وهي أننا مذنبون ومقصرون بحق أولادنا. أليس كذلك؟
ولكن كما كتبت لكم في مقالي الأول، فإن الشعور بالذنب لن يغير من أي شيء، ولا فائدة ترجى منه. علينا أن نخرج من دوامة الأفكار السلبية، ولكن كيف؟ الجواب: أن ترضي وتلتزمي بثاني أفضل خيار.
كان المشوار إلى المدرسة صباح الخميس جافاً ويملؤه الصمت. لقد تعمد ابني أن يتجاهلني، وكان جدياً في تعامله معي. دعوني أعترف بأنني وجدته ظريفاً في ذلك الوقت! و لكن، كان لا بد من كسر حاجز الصمت، فبادرت بحديثٍ عابر، ومن ثم طلبت منه أن يغني لي الأغنية التي سيغنيها في العرض. أخبرني بكل برود بأنه لو أردت أن أسمعها فعلي أن آتي الى الحفل. تساءلت حينها... كيف احترف صغيري فن التفاوض في هذا العمر المبكر! ما شاءالله على هذا الجيل.
بعد الإلحاح وكثرة الطلب، استجاب وبدأ الغناء. كان خجلاً في البداية، ولكن قبيل وصولنا الى المدرسة كان الأداء قد أصبح جهوراً وامتلأ الجو بالمرح والسعادة. يا له من شعور رائع! لقد نجحت!
توجهنا إلى الصف، وإذ بصديقه يركض نحونا بابتسامة عريضة وزف إلينا خبره المفرح: "أمي وأبي سيحضران الحفل. أليس هذا رااااااائع". سرعان ما تبددت فرحتي وراحة بالي. انحنيت ونظرت في عيني صغيري المتلألئتين بالدموع :"أتعلم كم أحبك؟ أتمنى لو باستطاعتي القدوم، ولكني لا أستطيع. ولهذا، أنا حزينة مثلك تماماً". غمرته بحضني ثم تركته يذهب. لم أستطع أن أودّعه بجملتي المعتادة: "أرني أحلى ابتسامة" ...
لن أكذب عليكم، كان شعوري وقتها في الحضيض. ليس فقط من أجله، ولكن من أجلي أيضاً. لقد أردت أن أكون هناك من كل قلبي. اتصلت بزوجي وأكدت عليه ضرورة الحضور في الموعد المحدد وتصوير الحدث بالكامل.
أنجزت عملي مبكراً في ذاك اليوم ودخلت الى المنزل برنّة وطنّة : " أين حبيبي الفنان الصغير؟؟؟" بأعلى صوت. استقبلني بابتسامته الجميلة وجلسنا نحضر التسجيل سوياً العديد العديد من المرات، كما أقنعته بأن يقدم لي عرضاً خاصاً حتى أرى ما فاتني من العرض الأصلي.
كانت أحدى أجمل الأمسيات التي أقضيها في المنزل. لقد أعطاني الخيار الثاني شيئاً لا يمكن للخيار الأول أن يعطيني إياه. أعطاني الفرصة للتواصل مع إبني على مستوى فكري وعاطفي مختلف. لقد علمته هذه التجربة ضرورة احترام العمل والالتزامات عندما تكون رغباتنا عكس ذلك، وأنه ليس باستطاعة الانسان الحصول على كل ما يريد، ولكن باستطاعته أن يتقبل و يسعد بما لديه.
لقد أعطاني الخيار الثاني شيئا لا يمكن للخيار الأول أن يعطيني إياه. أعطاني الفرصة للتواصل مع ابني على مستوى فكري وعاطفي مختلف.
أتمنى أن لا تجدي نفسك في مثل هذا الموقف وأن تتمكني من التواجد بجانب أبنائك في كل اللحظات الهامة، ولكن إن لم يحالفك الحظ، تأكدي من التواصل مع أبنائك مهما كانت صعوبة الموقف.
الخيار الثاني - إن أعطيته فرصة - قد يفتح لكِ باباً لتجارب ودروس كبيرة في الحياة، لكِ ولأولادك.
*النسخة الانجليزية من هذا المقال هنا
*الحلقة الأولى هنا