العلاقات
مذكرات آدم: بيوت مطمئنة تملأها الرحمة
ذات ليلة كنت جالساً مع ضيفي، ولفت انتباهي أن الخادمة التي جاءت معهم وكانت ترعى طفلته الصغيرة في غرفة الجلوس المجاورة، كانت تسند رأسها إلى الأريكة مغمضة العينين يغلبها النعاس وتغالبه.
قلت لضيفي، ألا تعتقد أن من حق هذه الخادمة التي تعطي بيتكم وأطفالكم اهتمامها في النهار أن ترتاح في الليل؟ قال: طبعا هي تنام في الليل كما ننام!! قلت: أقصد، أن يكون دوامها محدداً ينتهي عند الثامنة مساءً.
قال: كلامك يفسد الخدم، ويمنحهم أكثر من حقوقهم، ثم إن خادمتنا راضية تمام الرضا، نحن نطعمها مما نأكل ونعطيها راتبها بشكل منتظم ونعاملها بالحسنى، لكن هل تتوقع منا أن نعطيها إجازة يومية أو أسبوعية، أو أن نسمح لها بالخروج في نزهة!!
قلت لضيفي نحن مقيدون بآداب الإسلام الذي نظّم كل صغيرة وكبيرة في حياتنا، فكما أنه نظم حياتنا الزوجية وصلاتنا بأبوينا وأرحامنا وجيراننا
ونظم العلاقة المالية بيننا، فإنه لم يترك العلاقة بين الخدم ومن يخدمونهم دون مراعاة لآداب عامة تحمي هذه العلاقة من تسلط وبطش اليد العليا أو من حقد وانتقام ومكر اليد السفلى.
ثم رويت لضيفي حديثا نبوياً حول توجيه النبي أحد أصحابه أن النهار من حق المخدوم والليل من حق الخادم.
وبعد انصراف ضيفي، سبقتني زوجتي بالحديث عن ذات الموضوع، ذلك أنها لاحظت في عيون الخادمة خوفاً يظهر بلا شك رعبها من سيدتها، وأنها لا تلقى تلك المعاملة الحسنة التي زعمها صاحبي
ثم قالت: استغرب بحق ممن يسيؤون لخدمهم في الوقت الذي يسلمونهم ويستأمنونهم فيه على فلذات أكبادهم، ألا يخاف هؤلاء أن يجد الخدم في هؤلاء الأبناء فرصة للانتقام من تسلط مخدوميهم!!
قلت: لو أن الناس يحتكمون لهدي النبي لعاشوا سعداء، وعاش من حولهم بسعادة ورضا فقد رفع النبي من الخدم فجعلهم لنا إخوانا، قال صلى الله عليه وسلم: "إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم"
ففي هذا الحديث رفع النبي من شأن الخدم إلى درجة المخدومين والسادة، فبين المصطفى صلى الله عليه وسلم أن الخدم إخوان لمخدوميهم ولباقي المجتمع في الدين والإنسانية، وكان الظاهر أن يقول خولكم (أي خدمكم) إخوانكم ولكن قدم الأخوة على الخدمة، فالخدمة إعانة فكيف نجعلها سبب تحقير وإهانة؟!
وضرب النبي مثلا في نفسه في إحسان معاملة الخدم وبلغ ذروة لا يبلغها بشر، فعن أنس رضي الله عنه خادم النبي صلى الله عليه وسلم قال: خدمتُ رسول الله تسع سنين فما أعلمُه قال لي قَطُّ: لم فعلت كذا أو كذا، ولا عاب على شيئًا قط.
إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف، وصية لكل عائلة عندها خادمة أن تحسن إليها وتعاملها بالرفق دون ترك الحبل على الغارب، إن من شأن ذلك أن تكون النفوس سويّة والبيوت مطمئنة.