الأطفال ما قبل المدرسة 4-5 سنة
القيم العائلية: ما هي ولماذا هي مهمة لكل عائلة؟
خلال الأسابيع القادمة ستتخرج ابنة أقرب صديقاتي من الثانوية العامة، وفي الخريف القادم ستلتحق هذه الفتاة الشابة البالغة من العمر ثمانية عشر عاماً بإحدى الجامعات في الولايات المتحدة، في عالم بعيد جداً عن عائلتها وبلادها في الشرق الأوسط.
وبينما أنا أرقب هذا التغيير الذي يحدث لعائلة صديقتي، بدأت أفكر أكثر بعائلتي وأطفالي، وكيف أن الأيام تمر بسرعة دون أن ندرك ذلك!
طفلي الأكبر يبلغ من العمر 5 سنوات ونصف، أي أنه لا زال في مرحلة الروضة، وأنه لا زال أمامه الكثير ليصل إلى العمر الذي ينتقل فيه إلى المرحلة الجامعية.
إلا أنني أدرك تماماً أن الأطفال لا يستيقظون في أحد الأيام وهم مستعدون لمغادرة المنزل وتحقيق طموحاتهم.
لأن إعداد الطفل لدخول هذا العالم وخوض معترك الحياة ليكون فرداً قادراً على التعامل مع كل ما يواجهه ويعترضه يبدأ من مراحل مبكرة من حياته.
يبدأ ذلك من أبسط الدروس التي يمكن تعليمها للطفل حول كيفية التعامل مع الآخرين، مثل: "التفاح للأكل، وليس لتلقي به على رأس أخيك!"
وحول تحمل مسؤولية نفسه، مثل: "عندما تنتهي من تنظيف وترتيب قطع الليجو، يمكنك متابعة برنامجك المفضل!"
وحول كيفية التأقلم مع الحياة إذا لم تجر الأمور لصالحه: "أرى أنك مستاء لأنك تريد اللعب بالقطار، لكن أختك تلعب به الآن، اذهب إليها واطلب منها أن تعطيك إياه لتلعب بدورك لدقيقة أو دقيقتين".
هناك العديد من الأمثلة عن دروس نعلمها لأطفالنا في صغرهم، والتي تكون الأسس التي تهيئهم وتعدهم ليكونوا شباباً واعين وجاهزين لاستقبال الحياة ومواجهتها وتحمل مسؤولية أنفسهم فيها.
لذلك كنت أسأل نفسي هذه الأسئلة الصعبة:
ما الذي أريد لأطفالي أن يملكوه عندما يغادرون المنزل؟
ما هو الإنسان الذي أريدهم أن يكونوه عندما يخرجون إلى العالم لمواجهته وحدهم؟
قبل عام من الآن، جلست أنا وزوجي وتحدثنا مطولاً حول ما نعنيه بالقيم العائلية. هذه القيم هي الخصائص والفهم الذي نريد لأطفالنا أن يمتلكوه وهم لا يزالون في كنفنا، وهي أيضاً الصفات التي نريد لعائلتنا أن تتطبع وتعرف بها بين الجميع.
من الواضح أننا لا نستطيع أن نجبر أبناءنا أن يكونوا ما لا يريدونه، نتعلم ذلك من الوقت الذي ينتقلون فيه من مرحلة إلى أخرى، وهم يتحدون أبسط تعليماتنا لهم، فالأطفال يتوقون إلى التحرر واتخاذ قراراتهم بأنفسهم، فهذه هي الطبيعة البشرية.
لذلك نحن نبذل قصارى جهدنا، فنتمثل السلوك الذي نأمل أن نراه ينمو ويكبر فيهم، ونحاورهم في اللحظات التي يرغبون فيها بمناقشة الأمر والحديث عنه، ونختار أسلوباً تربوياً بما يتناسب مع قيمنا العائلية وما يعرفنا كعائلة.
القيم العائلية مفيدة جداً بالنسبة لجميع الأطراف، فهي:
أولاً: تساعدنا كأهل أن نتذكر ما هو مهم حقاً، كما أنها تمنعنا من الشعور بالضغط لنتصرف مثل العائلات الأخرى ذات القيم المختلفة عن قيمنا، وبذلك نتمكن من فهم ما تحتاجه عائلتنا بشكل أفضل، ونضع جل تركيزنا على رسم هذه القيم في الصورة الكبيرة لحياتنا.
ثانياً: فإن هذه القيم تساعد أطفالنا أيضاً، فهي تحدد ما نعتقد أنها من أهم الحقائق عن الحياة والأسرة والطريقة الأمثل للتصرف في هذا العالم. فالقيم المحددة والمعروفة لدى الأطفال تسهل عليهم أن يتحكموا بتصرفاتهم وأن يزنوا أقوالهم وأفعالهم، فيحافظون على سلوكياتهم وانفعالاتهم حسب الطريقة التي ربيناهم عليها في معاملة الآخرين.
الأطفال يحبون الالتزام والروتين، وهذا لا يكون فقط في المسؤوليات والنشاطات اليومية، ولكنه يكون أيضاً على الصعيد العاطفي والنفسي للطفل.
فإذا كان لدى الأطفال فكرة واضحة عن المكان الذي يستندون إليه في تصرفاتهم وخياراتهم، فإنه سيسهل عليهم توجيه كلماتهم وأفعالهم باتجاه معين.
ولكن، كيف نستطيع فعلاً أن نحدد هذه القيم العائلية؟
أولاً، تحدثي مع زوجك حول القيم العائلية التي نشأت عليها. بالنسبة لي كان "العمل الجاد" و"النزاهة"، أما زوجي فكان "الطيبة"، بالطبع لا توجد هناك إجابة خاطئة أو صحيحة، وهذا سيساعدك في تحديد ما تعتبريه أنت وزوجك مهماً في تربية أبنائكما.
ثانياً، هناك ما يقرب المليون درس وقيمة رائعة أود أن أغرسها في أطفالي قبل أن يغادروا المنزل إلى العالم ليصنعوا حياتهم الخاصة. لكن لا يمكننا أن نركز على مليون شيء لنعلمه لأطفالنا. نحن بحاجة إلى قائمة من ثلاثة إلى عشرة قيم يمكن أن نعبر عنها بوضوح ونزرعها في نفوس أبنائنا.
ابدئي بوضع قائمة طويلة للغاية من أهم عشرين شيئاً تعتقدين أنها مهمة جداً ليتعلمها أطفالك قبل سن البلوغ. طبعاً لا أقصد هنا البيانو أو الرياضيات أو أي لغة يتعلمها الطفل، وإنما أنا أتحدث عن القيم والسلوكيات والطريقة التي يعامل بها أطفالك الآخرين.
فإذا كانت هناك مجموعة من القيم المتشابهة مثل "الطيبة" و"التعاطف" و"الشغف" فيمكنك وضعها تحت قيمة واحدة جامعة لها.
وهكذا تستمرين في تضييق قائمة القيم العائلية لديكم، ثم اكتبيها أو اطبعيها بحروف كبيرة وعلقيها في مكان واضح في منزلك. بالنسبة لنا فنحن نعلقها على إحدى خزائن المطبخ، لنراها طوال اليوم.
في مقالاتي اللاحقة، سأشارككم قيم عائلتنا وأشرح كيف قررنا كل واحد منها.
وأخيراً، إن امتلاك قيم عائلية هو ليس محاولة لخلق أطفال مثاليين، أو أطفال يكسبون الحب أو القبول من الآخرين بتصرفاتهم. إن الهدف من ذلك هو أن نتحد معاً في تجربة مشتركة ورائعة لها هدف نعمل من أجله كعائلة.
وهذا يجب أن يقلل من الضغط علينا لا أن يزيده. ونحن نأمل دائماً أن تعمل هذه القيم كدليل لنا جميعاً لنتعلم أن نحب ونعتني ببعضنا البعض في هذه الحياة أكثر.