صحة الأطفال الرضع
السبب وراء صعوبات التنفس لدى الأطفال الخدج
بقلم: د. أحمد ارشيد، طبيب أطفال حديثي الولادة
كثيراً ما يعاني الأطفال الجدد وخاصة الخدج أو المبتسرين منهم من صعوبات ومشاكل في الجهاز التنفسي، فيحتاجون إلى البقاء في المشفى لعدة أيام لتلقي العلاج اللازم.
وينجم ذلك في حالات كثيرة عن فشل الرئتين لدى الطفل في صنع ما يكفي من مادة عضوية معينة تسمى (فاعل السطح الرئوي- Surfactant)، والتي تفرزها الرئة لتسهيل عملية التنفس.
ولتوضيح دور هذه المادة بشكل أفضل، يمكن أن أضرب لكم مثال نفخ البالون: فلو سُئلتم، أيهما أسهل نفخ بالون ذو حجم كبير أم ذو حجم صغير؟ جربوا بأنفسكم، ستجدون أن نفخ الصغير يحتاج للكثير من الجهد.
ثم أيهما أسهل نفخ بالون غير منفوخ بتاتاً، أم نفخ بالون منفوخ قليلاً؟ بكل تأكيد فإن البالون المنفوخ قليلاً يكون نفخه أسهل بكثير.
ورئة الإنسان كذلك مثل البالون تنطبق عليها هذه القواعد الفيزيائية، فرئة الطفل مكونة من بالونات صغيرة، تحتاج إلى جهد كبير كي تنفخ جهدا يفوق ما يحتاجه الشخص البالغ. وقد قدر جهد التنفس هذا بنحو ثلاثين ضعفاً! هذا إذا حسبنا حاجة الطفل الكبيرة للأوكسجين من أجل النمو.
وهنا أيضاً تأتي فائدة صراخ الطفل عند الولادة، وكذلك بكاؤه المتكرر فيما بعد، والذي يساعده على نفخ الحويصلات التنفسية التي قد تكون خالية من الهواء.
أما إذا اجتمع صغر حجم الرئة مع التفريغ التام للرئة من كل ما تحويه من هواء عند كل زفير، فلكم أن تتخيلوا الجهد المطلوب عند كل شهيق في هذه الحالة، وهو جهد غير ممكن، وهذا هو حال الأطفال المبتسرين (الخدج)، حيث أنهم يفتقرون إلى مادة الـ Surfactant التي تسهل التنفس، وذلك بجعل الرئة لا تخرج كامل الهواء عند الزفير، وتركها منفوخة قليلاً مما يسهل نفخها من جديد عند الشهيق.
يكتمل إنتاج هذه المادة في الأسبوع السابع والثلاثين من الحمل، لذلك فإن الأطفال المولودين بعد هذا السن لا يعانون عادة من مشاكل في التنفس ولا يحتاجون للمساعدة الطبية.
أما عند ولادة الطفل قبل هذا السن، فإن مادة ال Surfactant تكون قليلة وغير كافية، وكلما كان أصغر تكون كميتها أقل. ولذا فإنه قد يحتاج لمساعدة طبية على التنفس.
قبل اكتشاف هذه المادة، كان تشريح رئة هؤلاء الأطفال يظهر مادة هلامية تملأ الرئة، فسمي المرض "بالغشاء الهلامي"Hyaline Membrane Disease وللمرض صورة شعاعية محددة معروفة لدى الأطباء، لكن بعد التعرف على سبب هذا المرض، أطلق عليه اسم متلازمة الشدة التنفسية Respiratory Distress syndrome (RDS)، وهي حالات تستدعي استعمال أجهزة التنفس الصناعي.
وفي الثمانينات تمكن الأطباء من استخلاص هذه المادة من الحيوانات، وبدؤوا بحقنها في رئة هؤلاء الأطفال، وأعطت نتائج مبهرة، طبعاً بالإضافة إلى التنفس الصناعي، والوسائل العلاجية الأخرى.
وبعد ذلك تم تصنيعها، وبذلك أصبح يتوفر لدينا أنواع مختلفة من هذه المادة، يختار منها الطبيب ما يراه مناسباً، ولكن تبقى التكلفة العالية لعلاج هؤلاء الأطفال قائمة.