قصص أمهات
مع أنني طبيبة لم أعلم ما بخطب ابني!
بقلم: أسيل جلاد، أم لطفلين.
نسمع قصص تحدث مع الناس كل يوم، لم أتخيل يوماً انني سأكون وطفلي واحدة من تلك القصص! كوني طبيبة اعتقدت ومن حولي أني محميَّة، لأنني ببساطة سوف انتبه لكل ما يحدث من حولي وبذلك سأتجنب حدوث مثل هذه "القصص"!
في يوم ٦/٦/ ٢٠١٧، تعب طلال وهو ابني الثاني الذي كان قد أتم الستة أشهر من عمره بالضبط، بدأ يشعر بضيق نفس ولم آخذ الموضوع بجدية حيث أن ابني البكر "راشد" كان يتأثر بالجو والعوامل الحياتية بكثرة مما يؤدي إلى تحسسه بشكل دائم. ولذلك، لجأت إلى وسائل العلاج التي تعودت عليها مع راشد. ولكن، استمر ضيق النفس لدى طلال فذهبنا لزيارة طبيب الأطفال والذي بدوره أدخله إلى المستشفى! كانت المرة الأولى التي ندخل بها طفلنا إلى المستشفى وبقينا هناك لمدة ثلاثة أيام على أجهزة تبخير وما إلى ذلك؛ تحسن طلال بدرجة متوسطة فخرجنا من المستشفى إلا أنه لم يكن هناك تحسن ملحوظ!
ومن هنا بدأت الرحلة...
قمنا باستشارة طبيب صدرية وطلب عدة تحاليل منها صورة طبقية للصدر، وبما أني طبيبة وجدت الطلب ثقيل فرفضت عمل الصورة لتجنب تعريض طفلي إلى تخدير كامل وأشعة... قررنا استشارة أكثر من طبيب صدرية وأجمع الباقون على أنها أزمة وتحسس قصبات وأنه سوف يتحسن مع الوقت.
وصلنا إلى مرحلة كان طلال يأخذ فيها ١١ نوع من الأدوية! في داخلي كنت متأكدة أنه ليس بخير وكنت أقنع نفسي بأن كلام كل طبيب فيه شيء من الصحة ولكن عقلي الباطن لم يقتنع أبداً!!! لم ينم طلال لساعتين متواصلات طوال شهر، كان طفل منهكاً! كنت متأكدة أن هناك شيء غير منطقي.. احتجنا إلى دخول مستشفى مرة أخرى وفي وقت من الأوقات تحول منزلي إلى مستشفى!
عدت إلى طبيبه الأول، استودعت ابني وبدأنا في رحلة التحاليل! أجرينا صورة طبقية وتبين ما لم يكن بالحسبان! احتار الأطباء بالتشخيص لمدة ٣ أيام.. شعرت أني ضائعة وكأنها نهاية العالم خلال هذه الأيام! بدأت ابحث عن حلول لشيء لم أعرف ما هو!
اعتقدوا أن هناك غدد لمفاوية في منطقة الرقبة تضغط على الرئتين ومجرى التنفس، بعضهم اعتقد أنها الغدة الدرقية بالرغم من إجرائي لكل الفحوصات اللازمة عند ولادته! لم يكن كلاماً منطقياً أبداً، لجأت إلى استشارة أطباء من خارج البلد؛ طلبوا صور رنين مغناطيسي، رفض معظم الأطباء تخديره لإجراء الصورة لصعوبة التنفس وصغر حجمه ولكن بحمد الله بعد استشارات ودعم الزملاء والأصدقاء، قمنا بإجراء صورة الرنين لكامل جسمه...
تم تشخيص الأورام التي وجدت في الرقبة بأنها أورام أوعية دموية وبالرغم من أنها كتل حميدة إلا أن موقعها كان صعب جداً ولم يحدث وجود حالات مثلها! تم أيضاً تشخيص نفس الورم بمنطقة الكبد ...
شعرت بالراحة وبنفس الوقت بقلق شديد حيث أني لم اعرف ولم يعرف أي أحد ما هي الخطوة اللاحقة وما طبيعة نمو هذه الكتل!
أجمع الأطباء على أن وضعه الحالي لا يسمح للإجراء الجراحي ويمكن أن يعرضه إلى مضاعفات. كان من الأنسب اللجوء إلى الأدوية - بالرغم من أن جميع الأدوية كانت وما زالت قيد الدراسات إلا أننا احتجنا إلى حل وكان يجب اختيار الحل الذي يصاحبه مضاعفات أقل!
بدأنا بالعلاج الذي رافقته قائمة الاحتياطات وما يجب تجنبه! احتجنا إلى جرعات عالية من الكورتيزون وما يترتب عليها من هبوط بالمناعة...
تطلب أيضاً الاحتياط من أي شيء قد يسبب سقوطه أو الأذى لأن الكتل عبارة عن قنابل موقوتة قد تتعرض للنزيف من أي ضربة! عشنا فترة من التوتر والقلق حتى في حياتنا الأسرية!
أحسست في بعض من الراحة لأني وصلت إلى تشخيص وبنفس الوقت شعرت بالقلق من عدم معرفة المستقبل! كنت اتخيل كل يوم ماذا لو أنني للحظة كنت صدقت أنه لا يشكو من شيء وأنه من الطبيعي ألا يكون هناك تحسن ملحوظ في حالته! ماذا كان سيحدث لو أني لم ابحث أكثر ولو أنَّا توقفنا بمرحلة معينة؟!
لم يكن عقلي الطبي الذي يعمل! لا اعتقد أنني كنت في يوم من هذه الأيام طبيبة! أيقنت أن الأم تملك حاسة سادسة وسابعة وألف، أن الرابط العجيب بين الأم وطفلها هو الذي دفعنا إلى الشك والبحث!
الحمد لله... كل يوم وكل دقيقة... ما زال طلال يتلقى العلاج، صحته في تحسن ...
علمتني هذه الأشهر الكثير، تعلمت أن الحياة هي دروس يومية في الصبر والإيمان، تعلمت أن الصحة تعني الكثير إن لم تكن كل شيء... الهدوء هو أساس إيجاد الحل... احتجت لدعم من حولي، وجدت الراحة في اتصالات الناس ودعائهم واهتمامهم، احتجت لعائلتي وصديقاتي، وأهم ما تعلمت ألا أنسى نفسي وعائلتي، جعلت قلقي وخوفي يحكم تصرفاتي فزاد الضغط على من حولي، انتقل توتري إلى عائلتي، نسيت زوجي وابني البكر أثناء تلك الفترة! لم أشعر أنهم بحاجتي وكانت هذه غلطة، الحفاظ على عائلتي كان جزء كبير من العلاج، كان عليَّ أن أكون حكيمة أكثر بتفاعلاتي وتصرفاتي حفاظاً عليهم، كما أن الدعم من خارج العائلة كان ولا زال مهم جداً لإيجاد سند لكل من في الداخل!
بالإضافة إلى ملاحظتي أنني كنت أمضي وقتي في البحث والقراءة مما زاد من توتري، فتوقفت عن القيام بذلك وبدأت أنصح جميع من في حياتي وعملي بالقراءة ولكن إلى حد معين.
وبالتالي رأيت أنه حتى أثناء المرور بمثل هذه الظروف من الجيد أن تخلق الأم الوقت لنفسها، سواء كان ذلك بسرقة ساعة نوم أو قراءة كتاب أو مسلسل، أي شيء فقط لتنفصل -ولو لجزء صغير من اليوم- عن ازعاج الواقع!
مع تمنياتي لعائلاتنا وأطفالنا بالصحة والأمان والحب والطمأنينة...