مذكرات
مذكرات آدم: لماذا أحب اللعب مع أطفالي؟
"بابا احكي لنا حكاية" "بابا العب معنا لعبة الجمل "بابا، انظر ماذا رسمت... تأمل ماذا صنعت... اقرأ ما كتبت... اسمع نكتتي..."
نداءات ملحَّة ودعوات متكررة تحاصرني من صغاري في غمرة انشغالاتي، أو بعد بلوغي البيت وقد برى جسدي التعب، ولأني أدرك أهمية اللعب معهم من جهة، وحبورهم بدخولي عالمهم الصغير من جهة أخرى؛ فإني ألجأ لحلول توفيقية في معظم الأحيان، فأختصر حقهم إلى أضيق حدود أو أطلب تأجيل اللعب إلى ما بعد القيلولة، أو أكتفي بنظرة سريعة لما صنعه أحدهم أو لوحة رسمها آخر وإبداء إعجابٍ متصنع دون التمعن في التفاصيل التي تعني لصغارنا الكثير.
أحيانا أصغي لكلامهم الذي يبدو للكبار مفككًا وأنا منصرف الذهن في إتمام عملي أو قراءة كتاب أو متابعة التلفزيون، فتمتد أناملهم الصغيرة تداعب خدي استجلابًا لحضوري واهتمامي، فتارة ألتفت بكليتي تلقاءهم خجلاً منهم، وتاراتٍ أردد كلمات توهم باهتمامي ومتابعتي لما يسردون، وكمحاولة لاستدرار عطفهم أشرح لهم أن تأمين الحياة الكريمة لهم هو سبب انشغالي عن ملاعبتهم؛ فينصرفون متبرمين وقد خاب رجاؤهم.
ينعكس تبرمهم عليّ إحباطاً بسبب انشغالي الحقيقي بتأمين فواتير المعيشة، وينعكس حزناً لعلمي بأن ملاعبة الأطفال ضرورة ترتقي إلى أهمية الطعام والشراب، فهو أسلوب لبناء جسور وطيدة بين الآباء والأبناء، وهو وسيلة تربوية مشوقة لزرع الإيمان بالله، وهو كفيل بتطوير مهاراتهم وتنمية خيالهم ومعارفهم واستيعاب مفاهيم مجتمعهم وإدراك العناصر المكونة له.
وبالجملة فإن نزول الأب لمستوى أولاده يؤدي إلى ارتفاعهم هم إلى مستواه بدرجة كبيرة. وإن دعوة الأطفال للكبار بسرد حكاية أو بمشاركة في لعبة هي دعوة مجانية لتقبُّل التوجيهات التربوية أو تشرُّب المفاهيم الدينية والأخلاقية، لكن هذه العروض السخية التي يزهد بها الأهل لن تتكرر عند بلوغ أطفالهم سن المراهقة المنغلق على نفسه.
وإذا كنت ملمًا بتلك الحقائق التربوية السالفة، فإني احترم عقول الصغار وأعرف أنهم يدركون أننا نحن الكبار نهمل في حقهم مرتين؛ مرة بعدم اللعب معهم، ومرة أخرى عند مجاملتهم والتصنع في التفاعل معهم، ففي استطلاع أجرته مجلة "صحة" الإيطالية على عينة من 1600 طفل أعمارهم بين 6 و14 عاماً، حيث اعتقد 82% منهم أن آباءهم يلعبون معهم بين الحين والآخر باعتبار أنه واجبٌ ثقيل لا بد من إنهائه بسرعة، وتمنى 92% منهم مشاركة آبائهم في اللعب بصورة مستمرة وبتفاعل أكبر.
وكعادتي التي لن أتركها ما حييت فإني أرجع إلى رحاب معلم البشرية، المصطفى-صلى الله عليه وسلم- لأتلمس عنده الجواب الشافي في قضيتنا السالفة، لقد ضرب لنا مثلاً في التبسط مع الأطفال ومشاركتهم اهتماماتهم، ومع علو منزلته وكثرة مشاغله وعِظم مسؤولياته فإنه كان يلاعب الأطفال ويلاطفهم؛ يقول جابر- رضي الله عنه-: دخلت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يمشي على أربعة، وعلى ظهره الحسن والحسين- رضيَ الله عنهما- وهو يقول: نِعْمَ الجمل جملُكما، ونِعْمَ العدلان أنتما"، ومن ذلك أيضا ملاطفته لِعُمَيْر، الشقيق الصغير لأنس بن مالك الذي كان يلعب بطير صغير فسأله النبي ملاطفا ومبديًا اهتمامه: "يا أبا عمير، ما فعل النُغَير؟".