صحة الأطفال
رأي المختصين بتطعيم الأطفال ضد فيروس كورونا
في الوقت الذي ما تزال فيه العديد من الدول حول العالم تكافح من أجل الحصول على لقاحات كورونا، تبدو مسألة تطعيم الأطفال وكأنها شيء من الرفاهية للدول التي قطعت شوطاً لا بأس به في تطعيم مواطنيها من البالغين.
فقد أوصى مستشارو اللقاحات في المملكة المتحدة بتأخير اللقاحات لمعظم الأطفال دون سن 16 عاماً، مشيرين إلى أن معدلات الإصابة بأمراض خطيرة في هذه الفئة العمرية هي منخفضة جداً. لكن العديد من الدول كالولايات المتحدة قد بدأت في التطعيم للأطفال، وتأمل دول أخرى أن تحذو حذوها عندما تسمح الإمدادات بذلك.
هل تطعيم الأطفال بلقاح كورونا ضروري؟
منذ الأيام الأولى لانتشار الوباء، كان الأهالي يشعرون ببعض الراحة من حقيقة أن الأطفال يعتبرون أقل عرضة للإصابة بمضاعفات وأمراض خطيرة بسبب فيروس كورونا مقارنةً بالبالغين.
لكن بعض الأطفال ما زالوا يمرضون بشدة، وحتى بعد أن يصابوا بنوبة خفيفة من فيروس كورونا فإن الأعراض المتعبة التي ترافقهم، والتي يمكن أن تستمر في بعض الأحيان لأشهر طويلة هي كافية بالنسبة للعديد من أطباء الأطفال لحث الأهل على تطعيم أطفالهم في أسرع وقت ممكن.
ومع ذلك، أوصى مستشارو اللقاحات في المملكة المتحدة بأن يتم تطعيم المراهقين المعرضين لخطر الإصابة أكثر من غيرهم فقط حسب حالاتهم الصحية، أو الذين يعيشون مع البالغين المعرضين لذلك في الوقت الحالي، فقد قال طبيب الأطفال في جامعة بريستول، آدم فين: "إن الأمراض الشديدة والوفيات وحتى أعراض كورونا الطويلة هي نادرة بين المراهقين والأطفال الأصحاء، وقريباً، سيحصل جميع البالغين المعرضين للخطر تقريباً على جرعتين من اللقاح."
لكن في بعض البلدان الأخرى، ما زال الأطباء لا يعرفون الكثير عن مدى تأثير فيروس كورونا على الأطفال، فبعض الأرقام الرسمية لحالات الاستشفاء والوفيات بسبب فيروس كورونا في افريقيا وفي جنوب الصحراء الكبرى على سبيل المثال، حيث لا تقسم الحالات حسب العمر، وبالتالي لا يعرف أطباء الأطفال الوفيات التي حدثت بين الأطفال والشباب بسبب كورونا، وكيف يمكن أن تتأثر الإصابة بكورونا بحالات مثل سوء التغذية، أو مرض السل أو عدوى فيروس نقص المناعة البشرية.
بالإضافة إلى ذلك، يشعر بعض أطباء الأطفال بالقلق بشأن ما سيحدث للأطفال المصابين بفيروس كورونا مع غيره من الفيروسات الشائعة، مثل الفيروس المخلوي التنفسي (RSV)، وهو أحد أسباب نزلات البرد الشائعة والذي يمكن أن يسبب في بعض الأحيان أمراض تنفسية خطيرة لدى الأطفال الصغار.
لقد حدت إجراءات الإغلاق الصارمة من هذه المشكلة في بعض المناطق، ولكن مع تخفيف تدابير التباعد الاجتماعي، أصبحت هناك بالفعل علامات على أن عدوى الفيروس المخلوي التنفسي لدى الأطفال آخذة في الارتفاع ، كما يقول دانيلو بونسينسو، طبيب الأطفال في مستشفى جامعة جيميلي في روما: "نحن لا نعرف حتى الآن كيف ستكون آثار العدوى المشتركة عند الأطفال عندما يكون لدينا انتشار هائل للفيروسات الروتينية بالتزامن مع انتشار فيروس كورونا."
هل يعتبر تطعيم الأطفال آمناً؟
تم اختبار مجموعة من اللقاحات على الأطفال الذين تزيد أعمارهم عن 12 عاماً، بما في ذلك لقاحات mRNA المصنوعة بواسطة Moderna و Pfizer-BioNTech، ولقاحان صينيان من إنتاج Sinovac وSinopharm. حتى أصبحت العديد من الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة والصين، تقدم الآن لقاحات لهذه الفئة العمرية.
حتى الآن، يبدو أن اللقاحات آمنة للمراهقين، وقد انتقلت بعض الشركات إلى إجراء تجارب إكلينيكية على أطفال لا تتجاوز أعمارهم ستة أشهر. في الولايات المتحدة، قد تتوفر لقاحات لمن هم دون سن 12 عاماً في وقت لاحق من هذا العام، كما تقول طبيبة الأطفال أندريا شين في جامعة إيموري في أتلانتا، جورجيا.
أيضاً، منذ أن بدأت الولايات المتحدة بتلقيح المراهقين الشباب، ظهر ارتباط محتمل بين لقاح فايزر والتهاب القلب (حالات تسمى التهاب عضلة القلب والتهاب التامور). ومع ذلك، لم يثبت الباحثون بعد أن اللقاح تسبب في هذا الالتهاب، كما أن معظم المصابين قد تعافوا، وتشير البيانات إلى أن خطورة الإصابة بهذه الحالات تعتبر منخفضة للغاية، حيث قال طبيب الأطفال ديفيد بيس من جامعة مالطا بأن عدد الإصابات لم يتجاوز 67 حالة من بين كل مليون من المراهقين الذكور (الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و 17 عاماً) ممن تلقوا الجرعة الثانية من المطعوم، و9 لكل مليون من المراهقات الإناث من نفس الفئة العمرية.
كيف سيؤثر تطعيم الأطفال والشباب على الوضع الوبائي في العالم؟
قامت مالطا بتطعيم 80٪ من سكانها بالكامل، لتحقق أحد أعلى معدلات التطعيم في العالم، وهي الآن تقوم أيضاً بتلقيح المراهقين فوق سن 12 عاماً. وقد تم اتخاذ قرار تطعيم الشباب والأطفال من هذه الفئة العمرية بسبب التماسك الأسري بين أفراد الأسرة الواحدة حيث يكون المراهقون غالباً على اتصال متكرر بأجدادهم، فيفترض الأطباء أن تلقيح المراهقين قد يؤدي إلى تقليل انتقال العدوى إلى كبار السن الأضعف مناعة، كما أن الشباب في مالطا غالباً ما يسافرون إلى الخارج للدراسة، ومن المحتمل أن يصابوا بعدوى فيروس كورونا من الخارج، وهذا يشبه إلى حد كبير الحال في البلاد العربية من حيث التركيبة السكانية والاجتماعية.
تشير البيانات إلى أن الأطفال وخاصة المراهقين يمكن أن يلعبوا دوراً مهماً في انتقال فيروس كورونا، كما تقول كاثرين بينيت، عالمة الأوبئة في جامعة ديكين في ملبورن، أستراليا، وتتزايد المخاوف بشأن انتقال العدوى من قبل الأطفال والمراهقين مع ظهور أنواع وسلالات جديدة من فيروس كورونا.
وبما أن الآمال قد تضاءلت في تحقيق المناعة المجتمعية (مناعة القطيع)، فإن البلدان تحتاج إلى بذل قصارى جهدها للحفاظ على معدل انتقال العدوى منخفضاً بين سكانها، فكما قالت د. بينيت أيضاً: "لتخلق متغيرات وسلالات جديدة عالمية من الفيروس أنت بحاجة لدولة واحدة فقط لم يتلقى سكانها التطعيم كما يجب!"
*مصدر المقال من موقع www.nature.com