الأطفال 6-11 سنة
لماذا علينا أن نتعلم الذكاء العاطفي و نعلمه لأطفالنا؟
بعد أن تطور لدي ذلك الفضول تجاه عالم العواطف وتأثيراتها، بدأت أسمع بمصطلح "الذكاء العاطفي" الذي أصبح مشهوراً اليوم. وفقاً للدراسات، فإن الأشخاص الذين يتمتعون بالذكاء العاطفي يميلون إلى النجاح في مختلف جوانب الحياة أكثر من غيرهم، لماذا؟ لأن الذكاء العاطفي يساعد الناس في تكوين علاقات أفضل مع أنفسهم ومع الآخرين فيحظون بصحة ونوعية حياة أفضل، ويحققون نتائج فعالة أكثر ويتخذون القرارات بشكل صائب وسليم.
في عالم تكثر فيه التعقيدات وتتزايد فيه المشاكل النفسية ودواعي التوتر سواءً في المدرسة أو العمل أو المنزل، تصبح الحاجة إلى تطوير المهارات للتعامل مع عواطفنا وعواطف الآخرين أمراً ملحاً. فقد نشأ معظمنا دون وعي عاطفي وكانت النتائج واضحة بالنسبة لي في تربيتي لأطفالي.
كانت هناك مرحلة أحسست فيها بأنني عالقة ولم أكن أحصل على النتائج التي أرجوها في التربية، لذا كان علي أن أتعلم عن نفسي وعواطفي وأنماطي السلوكية كشخص عادي وكأم تحديداً، وأن أكتشف طرقاُ أخرى للتعامل مع تحديات التربية. بالطبع هذه الرحلة هي عملية لا تنتهي، إلا أن زيادة الوعي العاطفي لدي حسن كثيراً من علاقتي بأطفالي وساعدني في بناء تواصل قوي معهم.
فنحن كأهل نجد صعوبة في فهم مشاعرنا وانفعالاتنا و بالتالي لا نستطيع توفير المساحة لأطفالنا عندما يختبرون عواطفهم خاصة الشديدة منها. فعندما نرى طفلنا يبكي على سبيل المثال، نقول له أن يتوقف عن البكاء لأن هذا يشعرنا بعدم الارتياح، فلا نتعامل مع مشاعره ونحاول فهمها لأننا نخاف منها بل نريد أن نحميه من الإحساس بها، فينتهي بنا الأمر إلى تعليم الطفل عادة كبت العواطف. إلا أن العواطف جزء من بيولوجيتنا وهناك سبب دائماً وراءها، وهي تلعب دورا مهماً في حياتنا. (اقرئي مقالي السابق: دور المشاعر وتأثيرها في حياتنا اليومية)
فما الذي نعنيه بالذكاء العاطفي؟
الذكاء العاطفي هو وعينا الذاتي بعواطفنا والقدرة على فهمها عند وقوعها، وفهم الأسباب التي أدت إليها وكيف يمكننا التعامل معها. الذكاء العاطفي هو أيضاً القدرة على إدارة العواطف من خلال التدرب على ضبط النفس والتفكير بخيارات أخرى مناسبة لردود أفعالنا بدل تلك الردود الاندفاعية المعتادة.
الذكاء العاطفي هو القدرة على فهم الآخرين، ما يشعرون به وكيف يتصرفون بناءً على ذلك، وبالتالي بناء علاقة أفضل معهم. في كتاب "Whole-Hearted Parenting" قال الكاتب جوشوا فريدمان: "الذكاء العاطفي هو وسيلة لفهم طبيعة العواطف واستخدام ذلك كجزء من ذكائنا، ثم نستخدم هذا الذكاء لاتخاذ إجراءات فعالة" (صفحة 17).
نحن بحاجة إلى أن نفهم أن عواطفنا هي عبارة عن بيانات ورسائل منا لأنفسنا ومن العالم حولنا. هذه الرسائل يمكن أن تحمل معلومات عما يجري حولنا لمساعدتنا في فهم المواقف وحل الألغاز العاطفية المحيطة بها. على سبيل المثال، حدث خلاف بينك وبين طفلك الصغير أو المراهق جعلك تشعرين بالغضب، هذا الغضب هو رسالة منك إليك لتريك أن هناك مشكلة بحاجة إلى معالجة. ومجدداً، إن إحساسك بالغضب والإحباط هو أول البيانات التي تحصلين عليها لتلفت انتباهك إلى المشكلة أو التحدي الذي أمامك. يمكنك بعدها جمع بيانات عاطفية أخرى من خلال الكلمات وتعابير الوجه ولغة الجسد ونبرة الصوت، ومن ثم استخدامها لاتخاذ قرارات مناسبة من خلال مراجعة كافة الخيارات واتخاذ الإجراء المناسب للتعامل مع التحدي القائم ومواجهته.
الذكاء العاطفي هو مهارة يمكن اكتسابها والتمرن عليها وتطويرها، فالأطفال يولدون وهم يعبرون عن مشاعرهم، فيشاركوننا ما يشعرون به بصوت عالٍ (بالضحك أو البكاء أو الصراخ..)، وهم يتعلمون من خلال مراقبتنا نحن الكبار. لذلك هم بحاجة إلى نموذج الأهل الواعين بأنفسهم وبتصرفاتهم، ليتعلموا منهم كيف يديرون عواطفهم ويعبرون عنها بطريقة مناسبة.
كما أننا كأهل نعبر بشكل مستمر عن مشاعرنا وعواطفنا لأطفالنا أيضاً، لذلك فإن دورنا الأهم يكمن في إرشادهم ومساعدتهم على تنمية ذكائهم العاطفي. سأقدم لكم في مقالاتي القادمة نصائح حول كيفية رفع وعينا الذاتي بأنفسنا وعواطفنا، والبدء في ممارسة الذكاء العاطفي مع أطفالنا.