قصص أمهات
حكايات أم الأولاد: الارتجاع المريئي... شر ولا بد منه!
بقلم: مي نجم الدين
مرت أيامي وشهوري الأولى مع التوأم، وأنا أحاول فهمهما. ولكن، للأسف لم أستطع ذلك فكلما كانا يبكيان كنت أبكي بجوارهما! كنت اعتقد أن النوم، الأكل، وتغيير الحفاض هم كل ما سيحتاجونه. حتى بدآ في إبهاري بأولى مفاجآتهم وعجائبهم بما يسمى بالارتجاع المريئي عند الرضع!
بدأ الأمر مع إبني مروان عندما تقيأ الحليب الذي شربه من الزجاجة، بالطبع وفي بادئ الأمر، توقعنا أنه شعر بالبرد ولديه ألم في المعدة. ولكن هذا الموقف أصبح يتكرر وبشكل غير طبيعي وعادة ما كان يصاحبه بكاء شديد. فذهبنا بمروان إلى طبيبه الذي أخبرنا بهدوء بعد فحصه، أنه يعاني من الارتجاع المريئي، وأنها حالة طبيعية يصاب بها الكثير من الأطفال الرضع وخاصة ذوي الأوزان القليلة!
سبب هذه الحالة يعود إلى أن الصمام الذي يفتح لاستقبال الطعام من المريء إلى المعدة لم يكتمل نمو عضلاته بعد، فلا يقوم بوظيفته على أكمل وجه مما يعطي المجال للحليب أو الطعام للارتداد إلى الأعلى مسبباً التقيؤ والألم لدى الأطفال. لذلك، بما أن أطفالي توأم وولدا قبل اكتمال الشهر التاسع من الحمل، فهما أكثر عرضة لإصابتهما بالارتجاع.
الخبر لم يكن صادماً لي ولأمي بقدر قول الطبيب بأن ابني الثاني، سليم، مصاب به أيضاً! لكن الطبيب كان لطيفاً وبدأ في إرشادنا لكيفية التعامل مع هذه الحالة؛ حيث نصحنا بأن نقوم بإرضاعهم في زاوية قائمة أو بشكل عمودي حتى لا يخرج الحليب بسهولة من فمهم. كما قام بتأكيد أهمية الرضاعة الطبيعية في تقليل أعراض هذا الارتجاع ووصف للأولاد فيتامينات تساعد على تعويض أجسامهم عما يفقدوه أثناء التقيؤ.
ثم قام بكتابة وصفة طبية احتوت على اثنين من الأدوية، أحدهما لا أتذكره والثاني يعمل على الحد من تكرار التقيؤ، وقال لنا أنها مسألة وقت، حيث أن الارتجاع سيقل بعد أن يصلوا إلى سن ٦ أشهر. وعلى الرغم من إرشاداته وإجاباته الواضحة، إلا أننا كنا في كل أسبوع تقريباً، نهرول إليه منزعجين من وزن طفلَيّ الذي يزداد ببطء شديد! فالارتجاع لم يتوقف أبداً ولم ينفع معهما أي دواء. حتى أنني أصبحت مهووسة بشراء مآزر الأطفال (المراييل) بدلاً من أي شيء آخر! فكان لدي أكثر من ٦٠ مئزر بجميع الألوان والأشكال والخامات. كنت أقوم بتقسيمهم مئزر للبيت، للنوم، للخروج بالسيارة، ومآزر ذات ألوان زاهية وعلى أشكال حيوانات للخروج... الذي بالطبع كان في أضيق الحدود، لأن كل من كان أي شخص يفكر حتى في حملهما، كان يأخذ نصيبه من وابل الحليب المرتجع، حتى أنني اعتقد أننا تركنا الكثير من التذكارات اللطيفة في معظم بيوت أقاربنا وأصدقائنا!
وكأي أم تحاول شراء ملابس لطيفة ومبتكرة لأطفالها، زاد معدل إحباطي لضرورة وضع مئزر واقي فوق أي شيء قد يرتديانه.
في هذه الزيارة أتت للطبيب فكرة بأن نغير نوع الحليب إلى نوع أكثر سماكة مصنّع خصيصاً للأطفال المصابين بالارتجاع المريئي، ورغم ندرة وجوده إلا أننا أحضرناه. ولكن، لم يعجب الصغار وكان بالنسبة لهما مؤلم وغير مريح لأن سمكه يجعله صعب الهضم ومؤلم عند ارتداده إلى المريء والفم.
وبدأنا نستسلم لهذا الضيف الغير مرغوب به، فاعتدت على آثار التقيؤ في كل مكان، حتى أصبحا أحياناً يقومان به دون أن نشعر أو أثناء النوم. ومع بلوغهما سن الستة أشهر وبدئهما في تناول الأطعمة الصلبة، تحسنت حالتهما فلم يتوقف الارتجاع ولكنه بدأ يقل بشكل ملحوظ. وعندما اقتربا من شهرهما التاسع وبعد إتمامهما العام الأول تقريباً توقف الارتجاع وبدأت أتنفس الصعداء حين أراهما يستمتعان بشرب الحليب دون مغص أو تقيؤ وانتهى عصر المراييل لتبدأ حكاية جديدة لحلقة مقبلة...