قصص أمهات
حكايات أم الأولاد: عندما رسم مروان على الحائط
بقلم: مي نجم الدين
مفاجآت أولادي لا تنتهي ولا تعرف حدود، مثل أي أم مبتدئة تراقب كائن صغير يكبر أمامها ويكتسب خبراته كلها بالتجربة. كانت أولى هذه التجارب محاولة الإمساك بالقلم والكتابة على الحيطان...الحيطان التي دفعت فيها "دم قلبي"! وتشاجرت مع النقّاش ومساعده للحصول على درجات اللون التي أردت، منها درجة لون قلب المانجو، التي طلبت منه إعادة طليها أكثر من مرة حتى تصبح بالشكل الذي تخيلته، وفي غفلة من الزمن وبلمح البصر تحولت إلى حائط العشوائيات!
لكن للأسف، لا يمكنك عقد اتفاق مع طفل... فقد كانا يستغلان خروجي من الغرفة لأي سبب ليقوما ب "الشخبطة" على باقي جدران الغرفة!في بداية الأمر، قمت بتحديد حائط خاص لمروان في غرفة المعيشة لكي يرسم عليها وساعدته في ذلك. بينما سليم كان يصب تركيزه واهتمامه على لصق الملصقات الكرتونية الخاصة بهم. ولكن للأسف، لا يمكنك عقد اتفاق مع طفل... فقد كانا يستغلان خروجي من الغرفة لأي سبب ليقوما ب "الشخبطة" على باقي جدران الغرفة! ولكني لم أيأس واخترعت شيئاً آخراً؛ قمت بوضع لوحات كرتونية كبيرة بألوان مبهجة وبجانبها ورق شفاف حتى يقوما بالرسم على الورق فقط، ولكنهما عبّرا عن اعتراضهما ورفضهما، بالرسم حول اللوحات ثم تمزيقها بسعادة غامرة. وبدأ مروان في التسلل إلى غرفة النوم والممرات ممسكاً قلمه ولديه ما يكفيه من الثبات لمواجهة كل أشكال وطرق غضبي بينما تحولت هواية سليم من لصق الملصقات إلى تمزيق وفك البراويز الكرتونية التي تزين طرقات البيت وورق الحائط ثلاثي الأبعاد الذي اخترته بالقطعة! [caption id="attachment_18397" align="aligncenter" width="1030"] الحائط المخصص للرسم[/caption] لم أصمد كثيراً وأعلنت استسلامي أمام هذا الضغط المزدوج واكتفيت بالمراقبة والتصوير، لا أعرف هل كان من المفترض أن أمنعهم بشدة مثلما تفعل الكثير من الأمهات أم أتحدى عقولهم الصغيرة وأحاول زيادة نموها بإقناعهما أن هذا التصرف غير مقبول أم أتركهما يفعلان ما يفعلانه وأنا أراقب وأضحك على ابتسامة النصر التي ترتسم على وجههما تعبيراً عن الفوز في أولى معاركهما الصغيرة ضد أوامري..
أكثر الدروس المستفادة بالنسبة إليّ من هذه التجربة هي إتاحة الحرية الكاملة للأولاد لاستكشاف العالم بطريقتهم.ربما هو أمر مرفوض تماماً لدى بعض الأمهات ولديهن أسبابهن، ولكن أكثر الدروس المستفادة بالنسبة إليّ من هذه التجربة هي إتاحة الحرية الكاملة للأولاد لاستكشاف العالم بطريقتهم. فقد كنت أراقب خطوط مروان المتعثرة لأكتشف شغفه بالأقلام وألوانها. أما سليم فقد أصبح يميز الألوان عن بعضها البعض وحفظ أسماءها وبات يرددها عن ظهر قلب، وكله من وراء الرسم على الحائط. مما بعث في نفسي الراحة لأني سمحت لهما بالقيام بشيء أراداه وبشدة، وضحكاتهما الشريرة المهللة جعلتني أتناسى ما حدث للحيطان. ومع الوقت أصبحت شريكاً لهما في التلوين، واكتشفت أنه لأمر ممتع حقاً! حتى أنني بدأت في استغلال هذه اللحظات لتعليمهم أشياء جديدة مثل أن أرسم بهلواناً مبتسماً وآخراً حزيناً، ليميزا الفرق ويرددانه. كما اعتقد أن معظم الأشكال الهندسية، الفواكه وألوانها تعلماها من خلال هذه الرسومات. من الصحيح أن المنظر العام للمنزل لا يحمسني على استقبال الضيوف وأحياناً ... أحياناً... أشعر بدوار خفيف حين أتذكر كم المجهود المادي والمعنوي الذي بذلته لأحصل على الديكور لشقتي الذي لطالما كنت أتمناه. لكن هنالك ثلاثة أشياء يمكنها تعزيتي، أولاً، أنهما لم يقوما بالرسم على جدران بيت من بيوت أقاربنا رغم اعتيادهم على الرسم في منزلنا. فقد حرصت على ألا يفكرا في ذلك؛ عن طريق التوضيح لهما أنه يمكننا فعل ما نريد في منزلنا فقط، أما بيوت الناس فوجودنا بها يشبه الرحلة القصيرة، ورغم الفوضى التي يثيروها أثناء أي زيارة نقوم بها إلا أنها -بستر ربنا- لم تتضمن الرسم على جدران البيوت. ثانياً، وجود بعض الصور البسيطة للشقة قبل هذا الغزو يذكرني بما كان لديّ. وأخيراً، إمكانية نشر هذا الموضوع لكي يصبح دليل إدانة لهما عندما يكبران ويصبحان رجلين محترمين!