صحة المرأة
عزيزتي الأم، ضعي ما بيدكِ جانباً.. واكتبي!
قررت أن يكون مقال هذا الأسبوع مختلفاً بعض الشيء، وأن أعيد إلى الأمهات عادةً من المرجح أنهنّ كنّ يقمن بها في فترة ما في فترات حياتهن، على مقاعد الدراسة، أو في المراهقة، أو بعد ذلك، ألا وهي: كتابة المذكرات اليومية، ولو لمدة 10 دقائق إلى 20 دقيقة كل يوم.
كثيراً ما كان دفتري صديقي الصدوق لتفريغ انفعالاتي ومشاعري الكبيرة التي لم أكن أفهمها في مراهقتي، وعند وفاة والدي كان أشبه بمعالجي النفسي الذي كنت أفرغ فيه كل ما يدور بذهني من آلام وأحزان ومخاوف وأفكار لم أكن أجرؤ على البوح بها، وحتى في فترات الضغط النفسي، كانت محاولات كتابة الشعر لتفريغ ما أشعر به، جميلاً أو صعباً، من الأمور التي تريحني.
لاحقاً كانت الكتابة صديقتي لتنظيم يومي وأعمالي، منذ الثانوية العامة وحتى الآن، وبين حين وآخر أستقطع وقتاً لكي أكتب فيه أفكاري وأنظمها. وبما أنني عثرت مؤخراً على قدرٍ جيد من الأبحاث التي تبين أن كل هذه الكتابة أمر صحي للنفس والعقل، فإنني أحاول هذه الأيام أن تكون كتابتي يومية، وأحببت أن أشارككن بعض ما وجدت وأشجعكنّ على الكتابة بدوركن.
هل تعلمين أن الكتابة تفريغٌ صحي للضغط النفسي مقارنةً بكثير من طرق التفريغ الأخرى التي قد تكون ذات عواقب سلبية (كالأكل الزائد، أو التدخين، أو الإنفاق الزائد... إلخ)؟
هل تعلمين أن الكتابة مفيدة جداً في التقليل من آثار الصدمات أو الاكتئاب أو القلق الزائد أو حتى الكوابيس، وأنها من التقنيات التي يوصي بها الأخصائيون النفسيون باستمرار؟ هل تعلمين أن مجرد تدوينك لأمرٍ يهمك يجعلك أكثر وعياً به وقدرةً على التعامل معه؟ وأن مجرد توثيق ما تقومين به من سلوكيات تريدين تعديلها (ككتابة ما تأكلين خلال اليوم أو ما تنفقين خلال الشهر) يمكن أن يساعدك على الوعي بما تفعلين، والنظر إليه بموضوعية، وكيف تتحكمين به بشكل أفضل؟ وأن كتابة الأشياء الجميلة التي تفرحك وتشعرك بالامتنان كل يوم يمكن أن تساعدك في تحسين المزاج، والنوم بشكل أفضل، والتقليل من الإعياء؟
والجميل في هذه العادة الصحية المفيدة أنها ليست مكلفة، ولا تستغرق وقتاً كثيراً منكِ، وفوائدها الصحية كبيرة جداً. إن كنتِ تكتبين بالفعل ولديكِ عاداتكِ الخاصة فاستمري، وإن كان هذا الأمر جديداً عليكِ، ففيما يلي بعض الأسس التي يمكن أن تساعدكِ في البدء بهذه العادة الجميلة:
- اختاري دفتراً: من الجميل أن يكون ذلك الدفتر ذا غلافٍ يريح عينيكِ، ويسرك أن تفتحيه وتكتبي فيه، وأن يكون ذا ورق بنوعية وملمسٍ جيدين. اختاري أيضاً قلماً يبقى ملازماً لذلك الدفتر، وموضعاً تحتفظين به فيه بحيث يكون في متناول يدكِ أو في المكان الذي ستكتبين فيه كل يوم. شخصياً أفضل الدفاتر الشبيهة بالكتب، والتي يمكن لورقها أن يتحمل القلم السائل الذي أحب استخدامه.
- اختاري مكان الكتابة: حددي الزاوية التي ستكتبين فيها كل يوم، ولتكن مكاناً يريحك الجلوس فيه، وضعي حولكِ بعض الأشياء المريحة لكِ والتي يمكن أن تلهمك (صورة عائلية، نبتة صغيرة، لوحة مميزة، أو قطعة ديكور مريحة لكِ... إلخ). وليكن ذلك المكان منظماً باستمرار ليكون مرحباً بكِ حين تأتين للكتابة.
- الخصوصية: احتفظي بخصوصية الوقت (صباحاً قبل أن يستيقظ الأطفال أو مساءً بعد نومهم) لتتمكني من التركيز دون مقاطعات، وخصوصية ما تكتبينه لكي تتمكني من تفريغ كل ما تشعرين به من انفعالات من دون الشعور بأن هنالك "رقيباً" عليكِ. حتى لو شعرتِ بالرغبة في مشاركة زوجك أو أختك أو إحدى صديقاتكِ ببعض ما كتبتِ، يمكنك القيام بذلك من دون "الرجوع" إلى الدفتر نفسه، بل تذكري ما تريدين مشاركته أو اكتبيه على ورقة منفصلة.
- دوني ما يخطر ببالك بسرعة: اكتبي كل ما يفكر به عقلكِ دون أن تفكري في تنميقه وتحسينه على الورق. من المهم أن تسمحي لما في داخلك في الخروج كما هو لكي تتمكني من تفريغه والارتياح منه، بدل التفكير فيما "يجب" عليكِ أن تكتبيه الآن. تذكري: لا توجد قواعد هنا، المهم أن تبدئي عادة الكتابة وأن تحظي بما يمكن أن تأتي به لكِ من فوائد.
والآن ما الذي يمكنكِ أن تكتبي عنه؟ فيما يلي قائمة بالأمور التي يمكن أن تساعدكِ في البدء بالكتابة. لستِ مضطرةً إلى الالتزام بأي منها، إلا أنها قد تكون مفيدةً لكِ لتبدئي عادة الكتابة:
- ملخص يومي لما مررتِ به من أحداث جميلة أو صعبة في ذلك اليوم.
- مشاعرك المختلفة إيجابية أو سلبية.
- المواقف التي لم تتصرفي بها كما تريدين، وكيف يمكنك التصرف لو حدثت ثانية.
- خططك المستقبلية.
- أحلامك المؤجلة وكيف يمكنك إدخالها إلى روتينك اليومي.
- المشكلات التي تواجهك مع أولادك للتفكير لاحقاً بطرق التعامل معها.
- أمورٌ تودين مناقشتها مع زوجك.
- مخاوفكِ، أمنياتكِ، أهدافكِ، ذكرياتكِ، أو أي شيء يخطر ببالك.
- يمكنك أيضاً تخصيص دفتر مذكرات للمواقف الجميلة التي تصدر عن أطفالك والاحتفاظ بها لهم للذكرى.
أتمنى أن يكون هذا المقال دافعاً لكِ لشراء دفترك الخاص وقلمكِ، والبدء بعادةٍ قديمةٍ-جديدة نسيناها مع كثرة الضغوط والانشغالات رغم أهميتها لنا ولصحتنا النفسية. مع أمنياتي لكِ بكتابةٍ ممتعة. ومن يدري؟ ربما تجدين لديكِ موهبة دفينة ستخرجها هذه العادة إلى النور!