العلاقات
كيف نتعامل مع الخلافات الزوجية بطريقة صحية؟
من منا لا يختلف مع الآخر مهما كان مقرباً بين فترة وأخرى؟ من المؤكد ألا أحد كذلك مهما كانت الصلة: أم، أب، أخ، أخت، ابن، ابنة... إلخ. لكن في العلاقة الزوجية الأمر مختلف: فأنتما تتشاركان حياة واحدة، وتعيشان معاً كل تفاصيل حياتكما من صغيرها إلى كبيرها، وعاجلاً أم آجلاً سيحدث خلاف بين حين وآخر.
وهذه الخلافات تؤثر على الأبناء: فإخفاء الخلافات تماماً عن الأبناء أمر خاطئ؛ إذ إنه يخلق لديهم توقعات غير واقعية بأن الأبوين منسجمان بصورة كاملة دون أي خلاف، فيتوقع الأبناء ذلك في علاقاتهم المختلفة حالياً، وبشكل أكبر في علاقاتهم الزوجية مستقبلاً، فيشعرون بالعجز أمام كل خلاف وأن هذا الأمر ليس هو ما توقعوه.
أما الخلاف المستمر كل يوم وطوال اليوم من دون نهاية فله آثارٌ سلبية لا حصر لها على الأطفال؛ إذ تشعرهم بعدم الأمان، وتدفعهم إلى تجاهل ما حولهم، وإلى أحلام اليقظة وغير ذلك من طرق التدبر السلبية، كما أنها تنعكس على سلوكياتهم الحالية الآن، وعلى سلوكياتهم مستقبلاً مع أزواجهم وأبنائهم، والمشكلة الأكبر أن يعتبروا أن هذا الأمر "طبيعي" لأنهم عاشوه في أسرهم الأصلية.
ما الحل إذن؟ أولاً لا بأس من بعض الخلافات الزوجية وإظهارها أمام الأبناء، ولكن مع إظهارها لا بد من إظهار الحل معه أيضاً: أن يجلس الزوجان معاً ويتناقشا، ويتحدثان عما يضايق كليهما وكيف يمكنهما العمل عليه. بهذه الطريقة سيتعلم الأطفال من أهلهم أن الخلاف أمر طبيعي، وأن حله ممكن جداً بالنقاش أيضاً.
وهنا، لن أشارك الطرق المختلفة علمياً من الناحية النفسية والاجتماعية في التعامل مع المشكلات الزوجية، بل سأشارككنّ خبرتي الشخصية في حل الخلافات حين تعترض طريقنا في أسرتنا الصغيرة. في الحقيقة، ومنذ بداية الزواج، كنت أصر دوماً على أمر واحد عندما يتضايق أي منا من الآخر أو من شيء معين في المنزل: لا بد أن نتحدث عنه، مهما كان ذلك الأمر صغيراً أو كبيراً، ومهما كانت المشاعر قوية لدى المتحدث أو المتلقي. بعد ذلك، لو كان الأمر بسيطاً فإننا نوضحه بسرعة، أو إن كان يحتاج إلى بعض التفكير فإن علينا الانتظار إلى أن نهدأ ثم نناقش الأمر برمته. ومن خبرتي الشخصية، كانت النتيجة دائماً تتلخص في أربع خلاصات:
- الأمر المختلف عليه لن يتغير! فعلى سبيل المثال، أنا دقيقة جداً في مواعيدي والتزاماتي، وأحاول أن أنسق يومي وأموري ما أمكن لأفي بها، وأتوقع من غيري ذلك. في حين أن طبيعة عمل زوجي لا يوجد فيها هذا الخيار مطلقاً! إذ قد ينتهي في الموعد المحدد أو قبله أو بعده، وأحياناً بعده بساعات. وعند بداية زواجنا كان يغيظني ذلك مثلاً لأن الطعام الذي أعددته يبرد وأنا في انتظاره! وفي مثل هذه الحالة، فإن الأمر يحتّم تقبل الأمر موضع الخلاف والتكيف معه؛ فأصبحت مثلاً أعد طعاماً في الفرن في الأيام التي من المتوقع أن يتأخر فيها فيبقى ساخناً مدةً طويلة في مكانه، ونبلغ أصحابنا بأي احتمال للتأخير في حال كنا ملتزمين بموعدٍ في أيام الدوام.
- أنا المخطئة أو التي تحتاج إلى تغيير في الأمر الذي نختلف عليه: وفي هذه الحالة، أسعى شخصياً إلى البحث عن أفضل الطرق ما أمكن لحل المشكلة التي تضايق زوجي مني. وألجأ عادةً إلى الكتب وإلى البحث عبر الإنترنت عن الوسائل التي يمكن أن تلائمني لكي أتمكن من تغيير الأمر الذي يضايقه. وفي حال وجود خطأ مني فإنني أعتذر منه بالطبع وأطلب أن يسامحني، وأريه ما أفعله في الوقت الحالي لحل المشكلة.
- زوجي هو المخطئ أو الذي يحتاج إلى تغيير أمر نختلف عليه: قد يكون هذا الأمر أصعب على الرجال، لكن عندما تكونين مبادِرَةً وتفعلين الأمر نفسه قبل أن تطلبيه من زوجك فسيكون ذلك أسهل. من الضروري أن أنوه هنا إلى أن بعض المشكلات يكون حلها أسهل من غيرها خصوصاً لو كانت مباشرة وتتعلق بسلوك بسيط، لكن هنالك مشكلات أعمق أحياناً، ويكون تقبلها صعباً، عليكِ أو على زوجكِ، وقد تحتاجان إلى العودة إلى الوراء وإلى السبب الحقيقي الذي استثار مشاعر أيكما بشأن الموضوع قيد الخلاف. في بعض الأحيان، قد يحتاج الأمر إلى العودة إلى ذكريات الطفولة الخاصة بكل من الزوجين والتحدث عن خبراتهما وكيف كان الأهل يتعاملون مع الأمور المشابهة. هذا سيخلق لدى الزوجين فهماً أكبر للآخر، وسيزيد من قربكما ومراعاتكما لبعضكما البعض.
- عدم الاقتناع بأي مما سبق! قد لا أعتقد أني مخطئة في أمر ما أو لا أبذلُ جهداً في تغييره، وقد لا يرى زوجي منطقاً فيما أقوله وأرفضه. وهنا، الدواء هو الصبر! ستأتي فرصة أخرى حتماً يمكنكِ من خلالها طرح فكرتكِ مرة أخرى، ومع تكرار مشاركتكما لما تمران به سيصبح الاعتراف بمشاعر الآخر أكثر سهولة وسيلقى رأيه قبولاً أكبر. فحتى لو لم يتقبل زوجكِ رأياً أو فكرة ما الآن، فانتظري: ستأتيك الفرصة على طبق من ذهب لاحقاً ولو بعد سنوات!
هذا خلاصة ما وجدته مفيداً شخصياً. يمكنك الاستفادة مما فيه، أو البحث عن طرق أخرى، وتكييفها وتجربتها إلى أن تعثري على ما يناسبك من بينها. المهم أن تجدا وسيلة فاعلة ومستدامة للتواصل بينكما وحل المشكلات بطريقة ترتاحان لها.
من الضروري هنا أن أشير إلى أن وجود أي نوع من الإساءة، لفظية كانت أو نفسية أو جسمية أو الإهمال، أمر مرفوض رفضاً باتاً. ويجب الحزم عند ظهور ذلك السلوك أول مرة كي لا يتمادى فيه الطرف الآخر. وإذا تكرر، يجب التعامل معه فوراً، إما بحل المشكلة من جذورها معه، أو ربما بوجود أقارب مقربين، أو باللجوء إلى مختص في الإرشاد الزوجي أو العلاج النفسي الزوجي. إن كانت العلاقة سوية وتتسم بالمودة والرحمة فسيصبح كل ذلك سهلاً، أما الإساءة فهي دليلٌ على وجود مشكلة أعمق تحتاج إلى التدخل للتعامل معها