العلاقات
نصائح على الإنترنت تدعو إلى عدم تحمل الآخرين
تلفتني من حين لآخر منشورات و"نصائح" مختلفة، لكن بعضها فعلاً يحمل توقعات غير واقعية، وعدم تحمّل مطلق للآخرين وأوضاعهم ونفسياتهم، وربما تكون مثل هذه النصائح و"الحكم" مدمرة للعلاقات لا بانيةً لها. لنلقِ نظرة على بعض الأمثلة وكيف يمكن النظر إليها بطريقة مختلفة.
"ابتعدوا عن الناس النكديين الذين إن تكلمتم معهم اشتكوا وظلوا يتكلمون عن مشكلاتهم. كم أكره الطاقة السلبية منهم."
ترى من منا لا تثقله أعباء الدنيا ومتاعبها ويحتاج إلى من يفضفض له قليلاً أو كثيراً، وذلك بحجم الابتلاء أو المشكلة أو الفقدان ربما؟ ترى لو لم نجد مقربين يستمعون إلينا ويواسوننا وينبهوننا إلى خيارات أفضل، فماذا نفعل؟
قد يقول بعضنا: يكفي الدعاء واللجوء إلى الله. هذا مهم، نعم، إلا أن الحديث الشريف يقول: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى". فلماذا نحرم أنفسنا أجر التعاطف مع من يشتكي لنا بحجة الابتعاد عن النكد وما يسمى بالطاقة السلبية (وهو مصطلح غير علمي بالمناسبة)؟!
"يا إلهي كم أكره الشخصيات المتقلبة والمصلحجية. ابتعدوا عنها."
كم هذه العبارة عامة! من منا ليس متقلباً؟! ومن منا لا يحتاج من الآخر شيئاً من حين إلى آخر؟ أدري أن بعض الأشخاص يبالغون في ذلك، لكنني أذكر نفسي كثيراً بأن المرء لا يضمن نفسه أو تقلبات قلبه، وكيف يمكن لظروفه أن تتعبه فيكون شرحها لكل من حوله صعباً. كم أتمنى أن نتحمل بعضنا بعضاً بدل أن نلقي التهم هنا وهناك.
"كم أكره المنافقة التي تكون أمامك بوجه وأمام غيرك بوجه آخر."
نعم، كلنا نكره أولئك الذين يفعلون ذلك عامدين متعمدين وهم ينوون الوقيعة بين الناس. إلا أن هنالك أوجهاً أخرى أحياناً تختلف باختلاف العدسة التي ننظر من خلالها. قد نرى أن شخصاً ينوي شراً لآخر فنحاول تنبيهه، أو قد نكون قريبين من شخصين متخالفين فنحاول أن ننصح كل منهما على حدة بغض النظر عن علاقتنا بالآخر، وهنا يكون الأمر عبارة عن تقدير للموقف وللشخصيات أكثر من كونه تغييراً للوجوه هنا وهناك، فهل هذا نفاق؟
"أولئك الذين يقولون أنا قلبي طيب وصريحة! لا أنتِ وقحة ولستِ صريحة!"
في الواقع، كلما أرى مثل هذه المقولة أتذكر أمي حفظها الله، حين كانت تقول لي مراراً: "صديقتي فلانة أسلوبها "دج" (فظّ قليلاً ومباشر جداً) ولكنني أحبها لأنها دوناً عن صديقاتي تقول لي حين أخطئ أنتِ مخطئة لكذا وأنتِ معكِ حق في كذا. ولعل هذه الكلمات التي ما تزال عالقة في عقلي تساعدني في تقبل من يوجهون لي أي نصح، حتى لو تأثرت أو ربما بكيت من شدة الكلام. لكنني تعلمت أن أتعامل معه بطريقة من ثلاث طرق:
إما أن كلامهم حقيقي ويجب أن أراعي ما أقول وأفعل بالشأن الذي أخبروني عنه.أو أنه غير حقيقي (بالتأكد من مصادر أخرى ومراجعة الذات) وبالتالي أوضح لهم السبب وراء ما فهموه، أو أنه حقيقي لكنه أمر أتقبله في نفسي وليس عيباً، بل وربما يكون ميزة (كالتدقيق الزائد في أداء العمل مثلاً!).
ملاحظة أخيرة..
هنالك في علم النفس ما يسمى بالإسقاط: وهو أن يعلم الشخص أن لديه مشكلةً أو خللاً ما فيرمي به الآخرين، إما لنفي التهمة عن نفسه أو ليبرر لنفسه أن كل الأشخاص هكذا وهو لا يختلف عنهم، كالبخيل الذي يرى أن كل الناس بخلاء.
ترى، حين نشارك مثل هكذا عبارات قد تجرح أكثر مما تصلح، هل وقفنا أمام أنفسنا في المرآة لنرى إن كنا أنفسنا كذلك أم لا؟ أتمنى أن نتفكر جميعاً في ذلك وأن نترفّق ببعضنا بعضاً، ونسعى للفهم بدل الانزواء عند أي موقف ربما نكون قد أسأنا فهمه.
وأذكر هنا بالحديث الشريف الذي أحبه وأستحضره كثيراً عند أي صعوبة في التعامل مع أحدهم: "إن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، أعظم أجراً من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم." فلماذا نحرم أنفسنا هذا الأجر؟!