حديثي الولادة 0-3 أشهر
عندما يبكي الطفل ولا يجد إجابة!
كنت أطلع على بعض المقالات التي تتناول الرضاعة الطبيعية حين رأيت تعليقاً يقول: "لم أُرضِع طفلي لأني لا أريد أن يتعلق بي." وفي مرات أخرى كنت أقرأ تعليقات أخرى تقول: "لا أحمل طفلي لكي لا يتعلق أو يلتصق بي طوال الوقت"، عدا عن نصائح رعاية الطفل للأمهات الجدد التي يتحدث عنها البعض: "طالما أن طفلك نظيف وليس جائعاً اتركيه حتى لو بكى" وكذلك عند وقت النوم: "يجب أن تتركيه ينام وحده حتى لو بكى، لا تحمليه."
مثل هذه العبارات نواقيس خطرٍ محدق أراه يحوم حول ذلك الطفل، وأمه تصده بينما هو بأشد الحاجة إليها هي تحديداً. لنبدأ بكِ أولاً كامرأة، أعطيناكِ طعاماً وشراباً وكل شيء ووضعناكِ على كرسي أو سرير جميل في زاوية وحدكِ، لا يكلمك أحد وإن حاولتِ لن تجدي رداً. وهنالك شخص مقرب منكِ في الجوار لكنه يهملك تماماً ولا يجيبك. هل ستكونين راضية أم ستعترضين؟
حسناً، الأمر نفسه ينطبق على طفلكِ، فهو بحاجة إلى أن يشعر بك وبوجودك قربه؛ خصوصاً أن حاسته الأساسية في أيامه وشهوره الأولى هي اللمس، وسيعترض جداً بل ويشعر بالخوف والقلق والتوتر إذا أنت أعرضت وابتعدت عنه.
عندما يبكي الطفل ولا يجد إجابة، يبدأ إفراز هرمون الكورتيزول (أو هرمون الضغط) بقوة، والذي يؤثر في جميع خلايا الجسم، وحين تستجيبين له يبدأ بالعودة إلى مستواه الطبيعي ويهدأ الطفل. ولكن ماذا لو تركتِ الطفل يبكي حتى لو سكت وحده؟ سيصمت ربما، لكن مستويات الكورتيزول ستبقى عالية جداً وتستمر في الجسم مدة طويلة، وهذا يؤثر في تطور الطفل ومزاجه وصحته، وفوق ذلك كله، يؤثر في تطور الدماغ لديه.
في الواقع، فإن ترك الطفل يبكي دون استجابة مدة طويلة دائماً، يعد نوعاً من أنواع الإساءة للطفل، وهي: الإهمال. ولهذا تأثيراته النفسية الكبيرة على طفلك وعلاقته بكِ وعلاقته بالآخرين من حوله الآن ومستقبلاً.
قد تقولين إنكِ تستجيبين له وتعدين له حليباً صناعياً (مجرد كلمة صناعي وحدها تثير التساؤل)، إلا أن الرضاعة الطبيعية تحديداً مهمة جداً أيضاً، إذ تبني علاقة قوية بين الطفل وأمه، وهي أسرع إذ لا تحتاجين إلى التأخر على طفلك بينما تجهزين الحليب الصناعي. كما تبين أن الأطفال الذين يرضعون رضاعة طبيعية أقل عرضة للاضطرابات النفسية والأمراض الجسمية في حياتهم، وأقل عرضة للقيام بسلوكيات قد تزج بهم في السجن.
لذا، سواءً في وقت الرضاعة أو النوم أو حتى من دون أن يكون الطفل بحاجة إلى شيء إلا إلى وجودكِ بجواره، فمن المهم أن تستجيبي إلى نداءاته بأسرع وقت، خصوصاً في أول سنتين من عمره. وأزيدك من الشعر بيتاً: هذه اللحظات الثمينة من النداء والاستجابة هي التي تشكل التعلق الآمن لدى طفلكِ.. ماذا؟ أما زلتِ تقولين إنك لا تريدين أن يتعلق بكِ أصلاً؟!
في الواقع، سيتعلق في كل الأحوال، فهذا التوق إلى تشكيل علاقة معكِ فطرةٌ خُلق بها، لكن السؤال الآن هو: ما شكل هذا التعلق؟ هل هو تعلق آمن؟ أم تعلق غير آمن: خائف، أو مشوش ومتناقض، أو مضطرب؟ حسناً! قد تبدو كل هذه الكلمات أشبه بالكلمات المتقاطعة والغامضة، لكنني سأفصلها في مقالاتٍ قادمة إن شاء الله عن أنماط التعلق على مر الزمن. فانتظروني!
ملاحظة مهمة: الاستجابة إلى نداء الطفل الأكبر سناً لا يعني تلبية جميع رغباته، خصوصاً المادية منها، بل يعني تواجدك واستماعك إليه وتقبلك لمشاعره وتجاوبك معه بالشرح والتوضيح حتى لو لم يكن ما يطلبه متاحاً أو معقولاً.
اقرئي أيضاً:
أقوى ١٠ عبارات يمكنك قولها لأولادك
بدائل العقاب في التعامل مع السلوك غير المرغوب فيه
لكي لا نختلف كأبوين: لنتفق على أسس لتربية أبنائنا