صحة المرأة
إصابتي بسرطان الثدي رغم ظروفنا في غزة دفعتني لأصنع الكثير
قصة إيمان شنن، أم لطفلين
كتبت القصة بالتعاون مع صفحة "قصتي مع السرطان"
أُدرك تماماً أن امرأةً مثلي لن تغير الواقع، أو تغير الكون، لكنني أحاول، وسأواصل المحاولة لأكمل ما بدأته، وما أخذته على عاتقي، فلا يدرك ألم المرض إلا من عاشه..
لن أسرد حكايات عن البطولة، لأنني سأحتاج أوراقاً كثيرة، وحبراً أكثر.
إنَّهُنَّ معنا وبيننا، منهنَّ مَن مضت، ومنهن مَن ما زالت تنتظر.
عندما كنت طفلة في الصف الثاني، تُوفيت إحدى زميلاتي في الصف، وعندما سألنا معلّمتنا، التي كانت تجهش بالبكاء عن سبب وفاتها، قالت: "من السرطان".
لم نكن ندرك ما يعنيه السرطان. ولذلك، حاولت معلمتنا أن تساعدنا على استيعابه بقولها إنه كان كما لو أن صديقتنا قد تناولت سمّ الفئران.
ولكن بعد أن كبرنا، علِمنا أن السرطان ليس سم فئران، وإنما كان نوعاً آخر من أنواع الموت البطيء.
وعندما بلغتُ التاسعة والعشرين من عمري، شُخِّصتْ حالتي وتبيَّن أنني كنتُ مصابة بسرطان الثدي. ولم يكن أمامي من خيار سوى أن أقاوم..
فقد كنت أمًا لطفلين، أكبرهما لم يتجاوز الرابعة من عمره، وقد اعتمدتُ على زوجي الذي أمدّني بالدعم، وأمي التي شكّلت مصدر إلهام لي وأبي الذي شحذني بالقوة لكي أستهلّ رحلة العلاج المضنية التي استغرقت ستة أعوام، إلى أن غدوتُ ناجية من السرطان وتعافيتً منه.
كما كان يتعين عليّ أن أتحدى عادات مجتمعي الذي يقوّض رفاه مرضى السرطان في أحوال كثيرة.
عمر الشقي بقي..
التقيتُ بنساء مدهشات كُنّ يقاومْن السرطان أيضاً.. أميرة، وغادة، ونهى، وأمل، وهيا، وصفاء، وهناء، وتغريد، وشفا وآمنة. ومضيْنا كلنا في هذه الرحلة معاً.. كانت جراحنا هي ما توحدنا، واتفقتُ معهن على البقاء والمقاومة..
فمعًا، نستطيع أن نقهر السرطان..
جمعتنا مباضع الجراحين.. كنت أصنع لوحةً فنيةً جديدةً، في كل مرة أكون فيها ضيفةً على غرفة العمليات، إلى أن بلغت سبعة عشرة لوحة.
في لحظات الإفاقة، ووجع البعد أياماً وشهوراً، كنا نضحك ونقول: عمر الشقي بقي. فقدنا أجزاءً عزيزة من أجسادنا، ولكن لم نفقد الأمل ولو للحظة.
حاربنا.. نثرنا الحب والحياة والقوة في طريقنا، سامحنا من قَهرنا، سامحنا من ذَبحنا كل يومٍ بنظراته، أو بإيحاءاته، ومضينا نعانق آخرين، نقتحم الحواجز مبتسمين، فقدنا من فقدنا في الطريق، لكننا سويةً مستمرين.
ولكن كان يصعب عليّ أن أشاهدهن وهن يتغيرن، فقد سقط شعرهن، وبات لون وجوههن شاحباً، وغدت أجسادهن هزيلة ونحيلة.
صمودنا رغم الآلام والظروف الصعبة..
كنا نعيش في غزة وغالباً ما كنا نُضطر بسبب الوضع السائد هناك، إلى مغادرتها من أجل الحصول على العلاج، الذي لم يكن يسيراً.. وكنتُ أسافر إلى مصر عبر معبر رفح الخاضع للسيطرة المصرية لكي أتلقّى علاجي.
وكنتُ أضطر في بعض الأحيان، إلى الاعتماد على الأدوية والعلاج الذي تؤمّنه وزارة الصحة في غزة، لأنه لم يكن في وسعي أن أحصل على الدواء بنفسي، أو أن أحصل على العلاج الذي كنت في حاجة إليه من خارج غزة.
وكان أكثر ما أكرهه، وأرفضه رفضاً مطلقاُ، هو فكرة ربط السرطان بالموت، كما لو لم تكن النجاة منه خياراً قائماً!
وقد تضررتْ علاقاتي الاجتماعية، حيث كان بعض الأشخاص يريدون أن يروْني ضحية أو حالة تثير شفقتهم، وهو ما كنت أرفضه.
وخلال رحلتي، كنت أحسّ بالكفاح الذي تخوضه المريضات بالسرطان والمعاناة التي يتكبّدنها وأراها بأم عينيّ، ولا سيما أولئك اللواتي كُنّ يعانين من الفقر والضعف ولم ينلن حظّهن من التعليم.
وكان عدد ليس بالقليل منهن يفتقرن إلى الدعم النفسي من عائلاتهن، فمنهن من لم تملك من المال ما يعينها على المقاومة، وهناك من هجرها زوجها وتخلى عنها خلال رحلة العلاج.. كنا ضعيفات وكنا بحاجة ماسة للدعم والمساندة.
تعافيت.. لكن لم تتوقف رحلتي هنا
لكني وبعد سنوات تعافيتُ من السرطان، واستعدتُ شغفي بالحياة، وكان أول ما أردته أن أقدم للنساء من مثيلاتي أقصى ما في وسعي من مساعدة، وبدعم من مريضات أخريات بالسرطان، واللواتي فقدنا أربعًا منهن، بدأنا نفكر في كيفية مساعدة مريضات السرطان في غزة، من خلال تأمين الأدوية والدعم الذي كنّ في حاجة إليه:
فتمكنت من القيام بالآتي:
-
أسّستُ برنامج العون والأمل لرعاية مريضات السرطان في عام 2009. وهذا البرنامج هو أول جمعية في غزة-فلسطين سعت إلى تقديم العون للمريضات بالسرطان.
ولا سيما أولئك اللواتي يملكن دخلاً محدوداً أو لا يتيسّر دخل لهنّ، من خلال تيسير علاجهن وسفرهن، وتقديم الدعم النفسي لهن وتعزيز مهاراتهن الحياتية وقدراتهن القيادية.
-
تمكنّا على مدى الأعوام العشرة الماضية، من تقديم خدماتنا لما مجموعه 2,700 مريضة بالسرطان، من قبيل الأدوية التي يصعب الحصول عليها في أحوال كثيرة في غزة، بسبب القيود المفروضة على الاستيراد، والافتقار إلى التمويل وغيره من التحديات.
كما قدّمنا لهؤلاء المريضات الدعم النفسي والاجتماعي، والعلاج الطبيعي والأنشطة الترويحية. كان لدينا 50 مريضة عندما افتتحنا البرنامج. أما الآن، وبسبب العدد الهائل للمريضات، فما عاد في مقدورنا أن نقدّم جميع خدماتنا لهن كلهن بسبب شحّ التمويل.
-
أسست أول جمعية في فلسطين تُعنى بمساعدة النساء المصابات بالسرطان و مساعدتهن في تلقي العلاج والخروج السريع للعلاج في الخارج بكرامة.
-
أسست صندوق فرحة لعلاج نساء غزة المصابات بالسرطان بالشراكة مع مؤسسة الحسن للسرطان في المملكة الهاشمية الأردنية لتغطية تكاليف العلاج والإقامة والمصاريف بعد جهود حثيثة ودعم مميز من سمو الأميرة دينا مرعد. حيت تم تحويل "42" مريضة من غزة مصابة بالسرطان للعلاج بالمملكة
-
أسست برنامج متخصص للنساء الناجيات والمصابات بالسرطان بإسم " فضفضة" تقدم فيه النساء تجاربهن و تحدياتهن لمقاومة السرطان لإثبات أن السرطان لا يعني الموت بل إنه فرصة للنهوض مجدداً لاكتشاف الذات.
مما وهب هذا البرنامج قوة ذاتية ونفسية للنساء المصابات وأنتج مخرجات عظيمة إبتداءً بالتفريغ النفسي وإنتهائاً بتشجيع النساء على الفحص المبكر لسرطان الثدي.
-
أسست نادي "the rose” " للناجيات من السرطان، و هو النادي الأول في فلسطين والعالم الذي يُعنى بالناجيات من سرطان الثدي، وذلك بهدف رفع مهاراتهن و قدراتهن الحياتية، مما شكل نقطة تحول فعلية في حياة العديد من الناجيات بالتحاقهن بمجالات عمل مختلفة بقوة وإرادة.
-
شاركت في العديد من المعارض الدولية لعرض وتسويق المنتجات اليدوية للنساء المريضات والناجيات من السرطان، وكذلك المشاركة في تعميم تجربة المرأة الفلسطينية في مقاومة السرطان رغم الظروف الصعبة والحصار الذي تعاني منه النساء المريضات.
وكان من إنجازاتي أيضاً في رحلتي لدعم مريضات السرطان:
-
حصلت عام 2017 على جائزة رائدة العمل التطوعي في فلسطين.، ولقب امرأة فلسطين في مجال الصحة للعام 2018.
-
كنت صاحبة فكرة "الأثداء الصناعية" المحلية، بعدما لمست خجل وانزواء النساء المستأصلة أثداؤهن عن المشاركة في الحياة العامة والخروج من البيت، لعدم تمكنهن من شراء أثداء صناعية خارجية توضع في حمالة الصدر، والتي يصل سعرها 400 دولار، حيث تفضل النساء الفقيرات شراء طعام لأبنائهن عن شراء الثدي الصناعي.
مما حدا بي للتفكير في تدريب النساء الناجيات لصناعة أثداء صناعية محلية بأيديهن بإستثمار الموارد المتاحة في أسواق غزة، وبالفعل نجحت الفكرة.
والآن يتم صناعة الأثداء في غزة يدوياً كتجربة فعلية والأولى عربياً وعالميا بسعر لا يتجاوز دولارين، و يتم توزيعها على النساء الفقيرات مجاناً، وتحصل النساء الناجيات على أجرة يومية تقدر بخمسين شيكل (15 دولار) من صناعتها.
وتم توزيع ما يقارب 750 ثدي صناعي مصنّع محلياً، وبأيدي نساء ناجيات من السرطان. والآن أحاول أن أعمم الفكرة عربياً ودولياً، خاصة في الدول الفقيرة.
-
تم تبني قصة الثمانية نساء المريضات بالسرطان واللاتي منع الإحتلال خروجهن للعلاج في الخارج لأسباب أمنية، بعد جهود حثيثة وطويلة لتوفير جرعات "الهيرسيبتن" لهن في محاولة لإنقاذ حياتهن من الموت بعدما تخلت عنهن المؤسسة الصحية الرسمية، تكللت هذه الجهود بالنجاح.
-
ترأست لوبي ضاغط مع العديد من المؤسسات المعنية والشخصيات المعروفة والمهتمين والصحفيين لتشكيل قوة ضاغطة للضغط لإدراج علاج مريضات السرطان كأولوية تمويلة، وكذلك حملة ضغط على المعنيين لإعطاء الأولوية في التحويلات للمريضات ومساعدتهن في العلاج.
-
قدتُ حملة إعلامية في الصحف الإسرائيلية ضد منع النساء المريضات بالسرطان من العلاج في الخارج عبر معبر إيرز وكان هناك نجاحات ملموسة في كل الحملات أثمرت عن تقدم كبير.
وعلى الرغم من النجاح الذي حقّقتُه، فقد واجهتُ تحديات جمة، بما فيها الانطباع السلبي السائد في المجتمع اتجاهي كمريضة بسرطان الثدي وناشطة تشجّع النساء على الخضوع لفحوصات الكشف المبكر عن سرطان الثدي.
والأدهى والأمرّ أن بعض الجهات الرسمية، التي يُفترض بها أن تدافع عن مصالح المريضات بسرطان الثدي، لم تُبدِ الاستعداد لمساندتي.
غالباً ما يرى الناس أن الحديث عن سرطان الثدي مدعاةً للعيب، أو يفترضون أن المريضات سيقضين نحبهنّ فيه، بصرف النظر عن العلاج الذي يتلقيْنه.
ولكنني أحاربُ مع كل من يتعين عليّ أن أمدّه بالدعم والمساندة. وأحارب مع المانحين الدوليين والمحليين لكي أتأكد من أن علاج المريضات بسرطان الثدي يَرِد في أجندة التمويل التي يعتمدونها.
فأنا عندما شُخِّصت بالسرطان، لم يكن طفلايَ يتجاوزان الثالثة والرابعة من عمرهما، وهما اليوم يبلغان 23 و24 عاما ًمن العمر.
كنتُ أحلم في أن أتمكّن من مشاهدتهما وهما يكبران ويتخرجان من الجامعة، وقد حققتُ هذا الحلم. فكلاهما تخرّج من جامعته الآن.
وحلمي الآن أن أواصل تقديم العون للمريضات بسرطان الثدي ومساعدتهن في الحصول على كل الدعم الذي يحتجْن إليه.