قصص أمهات
لم أفهم يوماً لماذا يحاصر المجتمع المرأة الطموحة...
لم أكن يوماً من المهتمين بالقضايا النسوية وحقوق المرأة أو أي شيء يشبه ذلك، لكنني مؤخراً كنت أفكر بعديدٍ من القصص والحوادث التي استثارت شعوري النسوي كامرأة، وكان من السخرية بالنسبة لي أن أتحدث عنها الآن في عام 2019 بعد كل ما وصلنا إليه من تقدم وتحضُّر!
في هذا الشهر نحتفل جميعاً باليوم العالمي للمرأة وبعيد الأم أيضاً، لذا اسمحوا لي أن أحيي جميع النساء في كافة أنحاء العالم..
إلا أن ما سأتحدث عنه اليوم هو بعيد جداً عن الاحتفال بهذه المناسبات والتغني بها، وإنما هو متعلق بأمور أجدها مزعجة وتستوجب الوقوف عندها وطرح العديد من الأسئلة، وهي القضايا والتحديات التي تواجهها النساء اللاتي يصلن إلى أعلى المراتب في مجالاتهن، ويحققن تقدماً تعليمياً وأكاديمياً مبهراً.
جاءتني إحدى صديقاتي العزيزات متحدثة بفخر ومعلنة قرارها بأنها وأخيراً ستحقق حلمها بالحصول على شهادة الدكتوراة، كنت سعيدة جداً بقرارها هذا حتى فاجأتني بما سمعته من تعليقات مؤسفة عليه، فقد قيل لها: "من سيتقدم للزواج منك إذا كنت تحملين شهادة الدكتوراة؟!".. أه حقاً! ما هذا الكلام؟ ولماذا ستتزوجين شخصاً لا يرغب بدعمك والوقوف بجانبك في كل ما تطمحين إليه؟ إنه كلام محبط بحق!
النساء اللاتي يشغلن مناصب ومراتب عليا، أو القياديات وصاحبات الأعمال أو المعلمات وأستاذات الجامعات وغيرهن الكثير، هن مثال رائع وقدوة يحتذى بها على ما يمكن أن تفعله أو تصل إليه المرأة، فلماذا نحتاج أن نبرر ذلك للمجتمع؟! من قال بأن المرأة عليها البقاء في المنزل ولا تستطيع أن تنجز على المستوى المهني؟ ومن قال بأنها لا تستطيع أن تقوم بكليهما وأن تحقق ما تريد في هذه الحياة؟!
للأسف هذه هي الصورة النمطية للمجتمع والتي نشأنا وتربينا عليها، وقد يكون من الصعب على الناس في بيئة وعالم ذكوري أن يتقبلوا النساء الطموحات والمبدعات، نعم نحن في عصر التقدم ولكننا لا زلنا غير مقبولين فيه بشكل كامل.
وفي حديث لي مع إحداهن أخبرتني بالصعوبات التي واجهتها حين قررت إكمال دراستها في الخارج، فقالت أنها قوبلت بنوعين من الناس: الداعمين لها بما في ذلك زوجها وبعض أفراد عائلتها وهي تقدر لهم ذلك، والمحبطين ممن يؤمنون ببعض الأفكار مثل: "كيف يمكن أن تطمحي للحصول على درجة أعلى من زوجك؟" أو " أنت لست جديرة بأن تكوني أمًّا! تسعين لتحسين درجاتك العلمية لكن في المقابل سيكون الثمن تدمير منزلك وإهماله!"، حتى وصل الأمر بهم إلى التلاعب بأفكار زوجها وكادوا أن يقنعوه أنها لا يجب أن تخطو مثل هذه الخطوة أبداً.
وفي قصة أخرى ملهمة، كانت لامرأة حصلت على كل الدعم لتكمل دراساتها العليا، فأنهت درجتي الماجستير والدكتوراة بنجاح، وقد غمرها زوجها وعائلتها بالدعم والتشجيع طيلة هذه الفترة، ويسعدني أن أخبركم أنها هذه المرأة قد ربت أربعة أطفال رائعين خلال رحلتها هذه، نعم لقد كان تحدياً كبيراً بالنسبة لها لكنها اجتازته بنجاح.
يمكنني أن أستمر في الحديث وإعطاء الكثير من الأمثلة والقصص المختلفة عن نساء كان الدعم حليفهن في رحلتهن وأخريات تعرضن للإحباط ممن حولهم، لكن النقطة الأساسية هنا أنكِ لا تحتاجين إلى وجود شريك في حياتك، لا يؤمن بأحلامك ويحد من إمكانياتك فيمنعك عن تحقيق ما تريدين أن تفعليه أو تكونيه في هذه الحياة؟
ومن هنا فإني أرغب وكلي فخر بالحديث عن نفسي كمثال، فأنا أحتفل كل يوم بعودتي إلى العمل بعد انقطاعٍ دام 12 سنة، لدي زوج وعائلة رائعين ومتفهمين وداعمين بكل المقاييس، وانا أعتقد أن جمال الشراكة الزوجية والأساس الوحيد لها يتمثل بذلك التفهم والاحترام المتبادلين بين الزوجين.
فأنتِ لا تستطيعين الهرب من الأب أو الأخ أو حتى الزوج غير الداعم لكِ، لكن سيكون لديك الخيار دائماً ان تسعي لإنجاح ما تريدينه، وأن تناقشي من يخالفونك ويقفون في طريقك، وانا أتمنى حقًّا أن تختفي كل هذه النظرات والمعتقدات المجتمعية من حياتنا كنساء حتى نستمر.
لا أطالب هنا بالمساواة بين الرجل والمرأة، ولكنني أتنمى لكلينا أن نعيش ونُعامَل كبشر بأفكار وطموحات، فلا مكان لوجود قضايا متعلقة بجنس الشخص، فكلٌّ منا لديه دوره ويعرف مسؤولياته جيداً، نفشل في يوم وننجح في أيامٍ أخرى، هذا ما يجعل العيش ممتعاً والحياة أكثر ألقاً.