قصص أمهات
هزمت سرطان الثدي مرتين.. ولم أستسلم له!
قصة رولند البواب، أم لأربعة أطفال
المرض يختارنا ولا نختاره.. هو ابتلاءٌ من الله وامتحانٌ لا نجتازه إلا بالصبر وحيازة الأمل..
نعم سأفصح عن تفاصيل قصتي هنا، فأنا لم أخفِ شيئاً عن أحد منذ البداية! ولماذا أخفيه وأنا محاطة بكل هذا الحب والدعم؟!
كان ذلك قبل أحد عشر عاماً من الآن عندما شخصت لأول مرة بسرطان الثدي، اكتشفت مرضي عن طريق الصدفة، وذلك خلال مراجعة دورية لطبيبي النسائي، الذي شك بالأمر وأوصى بالفحوصات اللازمة، فكان ما كان..
لم يكن سماع الخبر سهلاً على الإطلاق، كان عمري في ذلك الوقت 34 عاماً، ولدي أربعة أطفال أكبرهم في الحادية عشر من عمره!
كانت لحظات صعبة جداً، انتابتني فيها مشاعر هي مزيج من الحزن والقلق والخوف، إذ كيف يمكن لكل هذا أن يحدث الآن وأنا لا أزال في عمر صغير وأطفالي لم يشتد عودهم بعد؟! وأنا التي كنت أتولى شؤون أطفالي جميعها في كل جوانب حياتهم!
أضيفوا إلى ذلك أن الناس في ذلك الوقت كانوا يخشون السرطان لدرجة أنهم يتحاشون التلفظ باسمه، فيقولون: "ذلك المرض" بدلاً من اسمه، فلكم أن تتخيلوا حجم الرعب الذي يزرعه هذا المرض في قلوب الناس لمجرد ذكره! فكيف بي الآن وأنا التي أعيشه حقيقة وأواجه أعراضه وأقاسي علاجاته.
لكني بحمد الله استطعت أن أعثر على تلك القوة التي ساعدتني في مواجهة مصابي هذا، هذه القوة كانت إيماني برحمة الله ورعايته وحفظه، بالإضافة إلى دعم زوجي وعائلتي وأقاربي وأصدقائي، فقد أخبرتهم جميعاً بما أصابني، فكان منهم أن تولوني بالرعاية والاهتمام طيلة فترة مرضي، وهذا ما أعطاني دفعة كبيرة لأتمسك بالنجاة أكثر، ولأكون أقوى من أي وقت مضى! لأن في هذه الحياة ما يستحق أن نعيش ونتحدى أصعب الظروف لأجله..
حتى أنني أخبرت أطفالي أيضاً، فعلى الرغم من صغر سنهم إلا أنهم استطاعوا أن يتفهموا الأمر ويشاركوني رحلتي في التغلب على هذا المرض!
فبدأ ابني الصغير بالبحث والقراءة على الإنترنت عن سرطان الثدي، أما طفلتي فقد فاجأتني حين أحضرت قصة كنت قد نسيت وجودها في المنزل، عن أم أصيبت بالسرطان، وغير ذلك الكثير من المواقف التي أثبتت لي أن الأطفال أوعى مما نعتقد، وهم قادرون على المساعدة والدعم تماماً كغيرهم من الكبار، فلماذا لا أخبرهم!
قد يختلف البعض معي في هذا، لكني وجدت في الإفصاح راحة لي وشيئاً يخفف من وطأة المرض على نفسي، في الحقيقة لا أدري كيف كنت سأواجه كل هذا لوحدي! أنا ممتنة لحجم الحب والدعم الذي حباني الجميع به، فالله لا يضع البلاء إلا ويهيئ أسباباً للشفاء..
وبدأت رحلة العلاج..
قمت بعملية جراحية، تلتها جلسات للعلاج الكيميائي والعلاج الإشعاعي، بالإضافة إلى العلاج الهرموني الذي امتد لخمس سنوات، ثم التحقت بمجموعة للعمل الاجتماعي، تتكون من عدد من النساء الناجيات من سرطان الثدي، نقوم بدعم النساء اللاتي شخصن حديثاً بالمرض ويتلقين العلاج
وذلك لمواساتهن والتخفيف عنهن ودعمهن نفسياً ومعنوياً، لنريهن أن الحياة ليست مظلمة كما تبدو الآن، فها نحن أمامهن وقد تغلبنا على المرض، لنعيش حياةً طبيعية تماماً كغيرنا من النساء، الفرق الوحيد أننا صرنا أقوى وأقدر على مواجهة الحياة..
كما أننا كنا ننظم الرحلات والإفطارات الخيرية للتوعية بالمرض وضرورة الفحص المبكر لتفادي أي مضاعفات قد تهدد الحياة، فالتعرض للعلاجات الكيميائية والإشعاعية ليس سهلاً أبداً، وما يرافق ذلك من تساقط في الشعر وأعراض أخرى كثيرة مرهقة للأم وعائلتها..
أما أنا فقد تابعت فحوصاتي الدورية لأكتشف بعد خمس سنوات إصابتي بالمرض مرة أخرى، لكن وبحمد الله قمت بعملية جراحية بسيطة جداً، ولم ألجأ إلى أي علاجٍ كيميائي، فقط بعض جلسات من العلاج الإشعاعي والهرموني، ساعدني في ذلك الفحص المبكر، فقد كان المرض في بداياته واستطعت بعناية الله ولطفه أن أتدارك الأمور قبل أن تتفاقم.
نصيحتي كناجية من سرطان الثدي لكل امرأة تقرأ قصتي الآن، خصصي يوماً واحداً فقط في كل عام للفحص، فكلما كان اكتشافك للمرض أبكر كلما سهل التعامل معه وكانت رحلة علاجك أسهل وأيسر، فالكشف المبكر ينقذ الحياة.
خاصة وأن الوعي بسرطان الثدي في تزايد كبير عالمياً، حتى أن هذا الشهر (شهر تشرين الأول) قد خصص للتوعية به ودعم المصابين، بالإضافة إلى التطورات الطبية التي ساهمت في زيادة فرص النجاة.
فنحن الأمهات بالعموم لا نفكر بأنفسنا بقدر ما نفكر بالعائلة.. بأطفالنا وأزواجنا على حساب راحتنا واحتياجاتنا الخاصة، وننسى وسط كل هذا أن صحتنا هي أمر ضروري جداً لنستطيع القيام بمهامنا الطبيعية كأمهات من أجل من نحب..
لذا لا تخافوا من أي ابتلاءات قد تصيبكم، فهناك الملايين من القصص الناجحة في هذا العالم، وها أنا أمامكم مثال على ذلك، ففي لحظة إصابتي كنت أدعو الله أن أعيش لأشهد أطفالي وهم يتخرجون من مدارسهم وجامعاتهم
وهذا ما حدث بفضل من الله الذي استجاب لدعائي ونجاني مما كنت فيه من ألم ومصاب، فطفلي الأكبر قد تخرج من جامعته الآن، وأختاه من بعده أصبحتا طالبتين جامعيتين، حتى أختهم الصغرى التي كانت قد شخصت بالتأخر النمائي مباشرةً بعدما تعافيت من إصابتي الأولى، وجدت أن ما أصابها كان سبباً آخر يدفعني للاستمرار من أجلها ومن أجل كل من أحب
وبحمد الله استطعنا أن نعيش حياة هانئة متقبلة راضين بما كتبه وقدره الله لنا، فلا يأتي الابتلاء إلا بقدر محبة الله لعبده.. هذا ما أؤمن به!