قصص أمهات
سنة مليئة بالتحديات بدأت بحادث زوجي وانتهت بسرطان الثدي
بقلم: منى خليلية من فلسطين، أم لأربعة أطفال
الحمد لله حمداً كثيراً على ما أعطى وأنعم علينا من نعمه...
اكتب قصتي التي مللت وأنا أتحدث عنها لصديقاتي وفي الاجتماعات التي تخص سرطان الثدي ولكنني سأكتبها من أجلكن يا اروع متحديات لعلها ترفع من معنوياتكن وتكون مثالاً يدل على أن الحياة جميلة وتستحق أن نحارب لنعيشها بصحه وسعادة ...
بدأت رحلتي بالمعاناة مع مصاعب الحياة في عام 2009، والتي بدأت مع زوجي...
ذهبنا أنا وزوجي مع شقيقته وزوجها نمارس رياضة المشي في مدينة الناصرة، فوجئنا برجل من عديمي الضمير قام بدفع زوجي وزوج شقيقته ليعبر من بينهما وعندما قام زوجي بدفعه تناول سكينًا من جيبه وطعن زوجي في عينه، وإذ بعين زوجي تخرج من رأسه، قضى زوجي على أثرها 10 أيام في المستشفى وكان في قسم جراحة الدماغ ولم يتم إدخاله إلى قسم العيون حيث أخبرنا الطبيب بأن هنالك نقاطًا من الدم ظاهرة داخل الدماغ وألا أخاف على عينه بل على رأسه!
كان زوجي المعيل الوحيد للعائلة وكنا نعيش حياة جيدة جداً؛ كنت أملك سيارتي الخاصة بالإضافة إلى سيارة نوع "جيب" جديدة لزوجي، وكان ابننا يتلقى تعليمه الجامعي في الأردن وكما تعلمن مصاريف تعليمه حدث ولا حرج...
خرج زوجي من المستشفى وإثر مرضه تراكمت الالتزامات المالية العائدة للبنك، وبما أنه لم يكن هنالك أي مدخول ثابت علينا، لم يستطيع البنك إمهالنا بعض الوقت رغم معرفتهم بأن زوجي لم يعد يعمل. وبالتالي قمنا ببيع سياراتنا لسداد الدين وبقي زوجي غير قادر على العمل لمدة سنة كاملة وكان عليه الالتزام بمراجعة الطبيب وطبعا كنا بحاجه إلى سيارة...
كنت لا أملك ثمن رغيف الخبز لأطعم أطفالي ولكنني لم أشكو همي لأحد سوى لله العظيم القدير بأن يرزقني من حيث لا احتسب.. لقد عانيت وذقت الأمرَّين في تلك السنة ولم أكن أستطع حتى النوم. بحثت عن عمل ولكن "المحسوبيات والوساطات" تلعب دورها في المجالس العربية لدينا.
طلبت من ابني أن يوقف تعليمه وأن يعود لمساعدة والده... إلا أن أهلي في الأردن علموا بذلك وقاموا بدفع القسط الجامعي لابني وإيجار سكنه وحتى مصروفه الشخصي وكانوا يرسلون لي مصروفًا شهريًا لي ولعائلتي.
وفي شهر آذار من عام 2010 قمت بإجراء فحص سرطان الثدي (الماموغرام) بما أن لدينا تاريخ عائلي معه، فقد كانت قد أصيبت به شقيقتي قبل ١٠ سنوات وكنت أشعر بألم في صدري. كنت قد اعتدت الخضوع لفحص سرطان الثدي في كل عام. ولحسن حظي كان الفحص سليمًا 100%.
ولكن، في شهر حزيران من العام ذاته شعرت بأن هنالك كتلة بحجم البيضة في ثدييّ الأيمن. فأخبرت زوجي وتوجهت فوراً إلى طبيب العائلة الذي فوجئ بذلك نظرًا لإجرائي الفحص قبل ثلاثة أشهر. فقام بتحويلي إلى طبيب مختص قمت بإجراء فحص ماموغرام جديد وتصوير بالموجات فوق الصوتية (الالتراساوند)، وهنا كانت المفاجأة حيث أكد لي الطبيب بأن هذا ورم سرطاني وأن هنالك كتل سرطانية في الثدي الأيسر!!
حمدت ربي حمداً كثير لأنني كنت على يقين بأنني لن أجتاز هذه المرحلة بسلام... ضحك الطبيب وقال: "ألست حزينة؟". فقلت له: "احمد الله على كل حال وإن كان أجلي قريب فسأرتاح من المعاناة والعذاب وإن قدّر الله لي العيش فقد وضعني في اختبار وليشعر كل من حولي بما عانيت منه طوال سنة كاملة لم أجد فيها عونًا ولا نصيرًا.".
في الحقيقة، كنت أقول لنفسي بأن هذا ليس الوقت المناسب فقد كنت منشغلة مع زوجي، حيث كان سيخضع لعملية جراحية في عينه في مستشفى في تل أبيب وأنا أقطن بقرية قرب مدينة الناصرة.
كنا عونًا لبعضنا، يشد كل منا أزر الآخر...
بدأ العلاج وخضعت لأول جرعة من العلاج الكيميائي في أول يوم من شهر رمضان المبارك في شهر آب وقمت بحلاقة شعري بأكمله فور علمي بأنه سيتساقط، أما الجرعة الثانية فخضعت لها دون رفقة زوجي الذي اعتدت أن يكون معي خطوة بخطوة ولكنه كان في المستشفى تحت تأثير التخدير ليجري عملية جراحية لعينه وفور انتهاء جرعة العلاج توجهت إلى تل أبيب لحضور العملية...
ثم خضعت لستة جرعات من العلاج الكيميائي "من النوع الصعب" و18 جرعة على ما أذكر من العلاج الكيميائي الأبيض... ثم أجريت العملية، وخضعت لـ 33 جلسة أشعة وأنهيت جرعة العلاج الهرموني قبل شهر والحمد لله.
طوال تلك الفترة رافقتني ذكرى شقيقتي التي عانت من مرض سرطان الثدي قبل 12 عامًا وشفيت منه تمامًا فقد كانت عونًا وسندًا لي وكانت تشجعني على التغلب على المرض إلا أن مرض السرطان باغتها مرة أخرى وانتشر في جسمها كالنار في الهشيم مما أدى إلى وفاتها...
لا أخفي عليكن أنني شعرت بالتعب واليأس بعد وفاتها، ولكنني أيقنت بأن شقيقتي حالة وأنا حالة أخرى...وأن الحياة جميلة وتستحق العيش..
وها أنا أعيش حياتي بطولها وعرضها ولا أفوت لحظة سعادة إلا وانتهزها
قمت بالتطوع مع جمعية لحماية الأطفال من حوادث الطرق والحوادث المنزلية، كما قمت بتشجيع مريضات السرطان في بلادنا واعمل الآن مدربة للمرضى النفسيين ومدربة للأطفال تحت الخطر وأواصل تعليمي الجامعي.
وفقكن وشفاكن الله عزيزاتي وشكراً لكن على متابعة حالتي.