قصص أمهات
أولادكم ليسوا ملكاً لكم أيها الأمهات والآباء
بقلم: مريم نصر
حضرت نفسي قبل انجاب أطفالي بأنني لا أريد أن استحوذ عليهم أو امتلكهم عملاً بمقولة جبران خليل جبران "أولادكم أبناء الحياة المشتاقة إلى نفسها، بكم يأتون إلى العالم، ولكن ليس منكم. ومع أنهم يعيشون معكم، فهم ليسوا ملكاً لكم".
وكانت الأعوام القليلة الأولى من حياة ابنتي الصغيرة صعبة علي لأنها كانت متعلقة بي جداً حتى أنني شعرت أن حياتي وأولياتها انقلبت رأساً على عقب ... شعرت بتثاقل بتعب وبأن حياتي كشخص منفصل انتهت وبلا رجعة.
فأصبحنا ثنائي لا ينفصل، فكري متعلق بها وتحركاتي كذلك، وكأنها الخيال المتصل الذي لا يختفي ليلا أو نهارا في الظل أو تحت نور الشمس.
وهكذا تقبلت حياتي الجديدة ... وبت أرتب يومي بناءً على هذه الحقيقة. وأصبح يومي كله عدا عن ساعات العمل ملكاً لها وحدها.
وهكذا مرت الأيام ... وكان كل من حولي يؤنبني لأنني أعطي الكثير من وقتي لها وحاولوا مراراً أن يطلبوا مني أن أعيش حياتي، ولكني كنت أشعر بضعف وذنب اتجاهها، فأنا من أنجبها وأنا من أتحمل هذه المسؤولية العظيمة.
وفي يوم بينما كنت في منزل والدي قررت ابنتي أنها لا تريد أن تعود معي إلى المنزل أرادت النوم في بيت جدها، فقلت لها "سوف تبكين عندما تستيقظي ولا تجدينني قربك". ردت بكل سهولة ومن دون تفكير "لن أبكي".
فقلت لها بلهجة تهديد "سوف أغادر"، سبقتني إلى الباب وفتحتها لي وقالت "الله معك".
خرجت من الباب وكلي ذهول أن ابنتي لم ترمش لها عين. وصلت إلى منزلي واتصلت بوالدي فقال لي أنها سعيدة وتلعب وطلب مني أن أرتاح وأنام جيداً.
ليلتها لم يغمض لي جفن ولم أستطع النوم وشعرت بغصة بقلبي، وكنت أريد للنهار أن يأتي على عكس كل يوم.
وما أن حل الصباح حتى أسرعت إلى منزل أهلي، كنت مشتاقة لها وأود ضمها، وبدأت بصياغة سيناريوهات اللقاء!!
"أصل الى المنزل تراني ابنتي تركض إلي وتضمني"... لكن السيناريو كان مغايراً ... فما ان فتحت الباب حتى نظرت إلي وقالت "لعبت كثيرا". ثم غادرت إلى مكان لعبها من جديد.
وهنا اكتشفت أنني أنا من كان متعلقاً بها طوال الوقت، أنا من كان خيالها، وهي من كانت حياتي.
وأردت أن أكمل قراءة ما كتبه جبران خليل جبران "أنتم تستطيعون أن تمنحوهم محبتكم، ولكنكم لا تقدرون أن تغرسوا فيهم بذور أفكاركم، لأن لهم أفكاراً خاصةً بهم. .. وفي طاقتكم أن تصنعوا المساكن لأجسادكم... ولكن نفوسهم لا تقطن في مساكنكم. ..أنتم الأقواس وأولادكم سهام حية قد رمت بها الحياة عن أقواسكم. فإن رامي السهام ينظر العلامة المنصوبة على طريق اللانهاية، فيلويكم بقدرته لكي تكون سهامه سريعة بعيدة المدى. لذلك، فليكن التواؤكم بين يدي رامي السهام الحكيم لأجل المسرة والغبطة. لأنه، كما يحب السهم الذي يطير من قوسه، هكذا يحب القوس الذي يثبت بين يديه".