قصص أمهات
قصة تجربتي: من العمل إلى الأمومة
بقلم: عُلا عبد المجيد، أم لطفل
لكل الأمهات العاملات، لكل اللواتي شعرن وكأن حياتهن العملية والمهنية قد انتهت عندما وضعن أطفالهن الأوائل.. لكُنّ اكتب هذه الكلمات..
في البداية أريد أن أعطيكن تصورًا بسيطًا عن شخصيتي وحياتي قبل الإنجاب.. أنا وأخواتي أربع فتيات نشأنا في منطقة ريفية حادة الطباع وجافة جدًا، قلّما تهتم لشأن الإناث.. تستطعن القول أننا نشأنا كأربعة فتيان لا فتيات.. نعتمد على أنفسنا في كل شيء، قويات عصاميات من الطراز الأول.. لذا فقد تربينا على أن العمل هو بمثابة العصا التي تتكئ عليها إحدانا حتى لا تحتاج لأحد.. أنا بالخصوص كانت شخصيتي قوية وعنيدة جدًا، كنت نشيطة للغاية، منطلقة ومتحفزة دائمًا، أحب تكوين العلاقات الاجتماعية والتعرف على الناس، قيادية ومبادرة من الدرجة الأولى وإن كنت متسرعة في اتخاذ القرارات بعض الشيء.. وكان عملي بالنسبة لي هو الإطار الذي يحدد سير حياتي بأكملها..
لنجعل هذه الكلمات مدخلًا لنا إلى ما أود الحديث معكن بشأنه وهو السبب الذي دفعني لكتابة هذا المقال فأنا لست بكاتبة.. ما إن عرفت بحملي بطفلي الأول إلا وفكرت كثيرًا وكثيرًا.. ماذا سأفعل بعد الولادة؟ هل سأعود لعملي بعد انتهاء إجازة الأمومة ككل الأمهات العاملات؟؟ هل سأستأنف مقابلات العمل إن كنت أريد الحصول على وظيفة أخرى؟ هل سأكمل الطريق كأن شيئًا لم يحدث؟؟ لكن وجدتني بكل قوة أقول لا.. لن أتخلى عن طفلي.
فكرت في عملي، ماذا لو تأجل قليلًا؟ سنة، اثنتان، ثلاث سنوات، أو حتى خمس.. ما الأمر في ذلك؟؟ طوال ستة وعشرين عامًا وأنا أتنقل بين المدرسة والجامعة والوظائف المختلفة -فأنا طبيبة، ومسؤولة موارد بشرية، ومدققة لغوية- ماذا لو منحت طفلي الصغير ذو الأيام القليلة بعضًا من أيامي؟؟ بعضًا من عالمي فأنا عالمه كله.. ماذا لو منحته إياها هو فقط؟؟ أنهاية العالم هي؟؟ لا أعتقد ذلك..
لي وجهة نظر في هذا الموضوع.. ورغم رفضي الشديد لفكرة كهذه قبل أن أتزوج، حيث لم أكن أتوقع أبدًا أن تتغير وجهة نظري وأفكاري وأقرر ترك عملي لأجل التفرغ لتربية ورعاية طفل.. كان هذا بالنسبة لي ضربًا من ضروب الخيال وكنت أستميت في إقناع الناس أن قمة النجاح هي أن أستطيع الجمع بين عملي وطفلي.. كان عملي هو هويتي.. تذكرت هذه الكلمات وابتسمت.. الآن نظرة واحدة لطفلي الجميل تحدد هويتي كأن لم يكن لي هوية من قبل.. أشعر أنه هو قبلتي واتجاهي في الحياة.. وجهة نظري هي أن الله لم يخلقني كي أعمل أو سوف يسألني عما إذا كنت لم أسلم تقاريري في مواعيدها.. سيسألني عن أمانة وضعها بين يدي إن كنت قد أحسنت حفظها أم لا.. وهو ما أخشى التفريط فيه ومن هنا كان قراري…
في الأشهر الأولى كنت كثيرًا ما أشعر بالملل، وأصبح الحزن والاكتئاب والبكاء رفقائي، كنت أتذمر من الرضاعة اللانهائية وتغيير الحفاض والملابس المتسخة وتنظيف المنزل وإعداد الطعام وتلك المهام التي لا تنتهي.. وكنت أقول أنني لم أُخلق لمثل هذه الأشياء ما الذي فعلته بنفسي!! لا أستطيع أن أنكر هذا.. لكنها طبيعة الحياة وأقول لو أنني كنت أعمل لم أكن لأشعر بكل هذا الهم والتعب ولكنت وجدت في عملي متنفسًا للضغوط المنزلية التي تحيط بي من كل جانب.. ولكن من منا -عاملة أو غير عاملة- لم تمر بمثل هذه اللحظات؟؟ ولكي أصدقكن القول، كان كل هذا يتبدد تمامًا بضحكة واحدة من طفلي وأكون على تمام الاستعداد لأن أعيد فعل كل هذا آلاف المرات..
لكل من تسير معي في الطريق.. اثبتي ولا تخافي، عملك وطموحك مهم جدًا لهويتك ولكن لا مانع من أن تعطي صغيرك قليلًا من الوقت له هو فقط.. طفلك يحتاج لك انت.. لحضنك وحنانك وحبك انت.. لرعايتك وتربيتك انت..
لصوتك وضحكاتك انت.. صحته البدنية والنفسية مسؤوليتك انت لا مسؤولية المربية أو مُدرّسة الحضانة.. وصدقيني سيمر الوقت سريعًا وستشعرين أنك لم تجني من عمرك إلا السنوات الجميلة الأولى التي قضيتها وعشت كل تفاصيلها معه.. لا شيء يضاهي رؤيتك لأسنانه الصغيرة وهي تنبت لأول مرة، رؤيتك له وهو يحبو لأول مرة، وهو يخطو بقدميه الصغيرتين لأول مرة، تعبيرات وجهه وهو يتذوق الطعام لأول مرة.. لا شيء يضاهي سماعك له وهو يقول للمرة الأولى …”ماما”.