قصص أمهات
الأمومة: رحلة التغييرات الإيجابية
بقلم: لينا ساجدي
بينما أجلس هنا وأفكر بالكلمات التي أريد أن أكتبها، يأخذني تفكيري إلى أوقات سابقة كنت أذكر فيها نفسي بضرورة توثيق تجربتي في الحمل والولادة، وذلك في الوقت الذي لا تزال فيها الذكريات واضحة، وقبل أن تبلغ ابنتي عمر السنة، وتتحول أيام الطفولة الأولى الجميلة إلى الدوامة المعروفة بالطفولة الصغرى. لم أستطع المضي قدماً بتنفيذ هذا المشروع، بل كنت أؤجله باستمرار. أصبحت ابنتي الآن تبلغ سنتين ونصف من العمر وأنا أتساءل: كيف مرت الأيام بهذه السرعة؟
دعوني أعود إلى الوراء قليلاً، قبل مجيء نور إلى حياتي. بعد سنة من الزواج، انتقلت أنا وزوجي للعيش في دبي، وبما أنني أحمل مؤهلات في اللغات والتعليم، بدأت بالبحث عن وظائف في مجال التعليم، إلا أنني لم أتوقع مواجهة العديد من التحديات؛ فكلما بحثت أكثر، كلما أدركت بأن سوق العمل في دبي ليس تنافسياً إلى حد كبير فحسب، ولكن تعليم لغة ليست باللغة الأم للمعلم لم يكن منتشراً. كنت في بلدي، أعيش حياة حافلة، كنت أعمل (كان لدي عملان في بعض الأحيان)، وكنت أتطوع، كما كنت أدرس الموسيقى. لقد سبب لي هذا التغيير المفاجئ في حياتي بعض الارتباك. لم أعرف كيفية التعامل معه، ولكني احتفظت بروح إيجابية، وأشغلت نفسي بالنشاطات التي شدت اهتمامي.
بالرغم من كل جهودي، كنت أشعر بالضياع لأنني كنت أشعر بأنني لست الشخص الذي علي أن أكونه، وبعدها أصبحت أماً لطفلة اسمها نور. كنت أشعو بأنني مستعدة نفسياً لذلك، ولكنني لم أكن أعلم بأن الأمر سيكون مختلفاً تماماً عما كنت أظن من الناحية النظرية. بإمكانك قراءة وتعلم الكثير (وأنا سعيدة لأنني قمت بذلك)، ولكن لا يمكن أن يعلّمك أحد عن خصائص طفلك المميزة. إن الحدس كان أقوى بالنسبة لي في هذه الناحية.
أنا لا أقول بأن كل شيء أصبح سهلاً فجأة. أنا متأكدة من أن التحديات ستستمر بالظهور، إلا إنني أصبحت أدرك الآن بأن بعض الخيارات البسيطة قد تسبب تغييراً كبيراً.
في الشهور القليلة الأولى بعد بدء رحلة الأمومة، وجدت نفسي أشكك في حقيقة أن كل شيء يتحرك ويتغير. كنت عالقة في مرحلة من التعب المستمر، وكنت محاصرة بين مغص طفلتي وبين الحرمان من النوم، واللحظات الجميلة التي كان الجميع سواي يقضونها مع نور، كانت قصيرة وخاطفة بالنسبة لي، لأنني كنت أعمل خلف الكواليس: من الرضاعة اللانهائية، إلى تغيير الحفاضات، والحمام، والهدهدة. هكذا ستكبر وتنمو نور!
ولكن في الأشهر التي تلت، بدأت شيئاً فشيئاً أستعيد أجزاءً صغيرة من نفسي. بدأت أدرك أن مجيء نور إلى هذه الدنيا قد أحدث تغييراً مهماً. أصبحت أعلم أي نوع من الأمهات لا أريد أن أكون. لم أكن أريد أن أكون كسولة، وبعيدة عما يحدث حولي. كنت أريد أن أكون مؤثرة وحيوية. إن هذه الفكرة ما زالت تشكل تحدياً بالنسبة لي، لأن هذا الانفتاح لا يتماشى تماماً مع طبيعتي. عندما أنظر إلى الآثار الكبيرة التي أحدثتها الأمومة، يمر في تفكيري أنني لم أكن أعتقد أبداً بأن مجيء نور سيكون المحرك الأساسي للتغيير؛ تغيير في حياتي وطبيعتي ونظرتي للأمور.
كنت أريد أن أكون نموذجاً حياً إيجابياً لابنتي، لذا صممت بسرعة على أن أتحرك وأن أصبح نشيطة وفعالة وأن أعرّض ابنتي إلى كافة التجارب الموجودة حولنا، كما كنت مصممة على أن لا أغرق في فقاعتي أكثر من ذلك، لأنه من السهل علينا دائماً أن نشكو من أن الأمومة تسلب منا العديد من الامتيازات التي نعتبرها أمراً مفروغاً منه، مثل الحرية الكاملة.
أنا أنظر إلى نور وأرى أجزاءً مني فيها. أرى الفتاة الصغيرة التي كنت، والمرأة التي هي أنا اليوم. نتشارك معاً في نفس الاهتمامات، وأشعر بالسعادة لأنني أعيش هذه الاهتمامات معها في ضوء مختلف
لذا، وبدلاً من ذلك، أستعدت نشاطي وخرجت من مساحتي المعتادة، وبدأت باستكشاف العالم من حولي، مع طفلة صغيرة إلى جانبي. تستطيعون القول أيضاً بأنني كنت محظوظة لظهور العديد من الناس في حياتي والذين يشاركونني نفس الاهتمامات وطريقة التفكير، بالإضافة إلى المرور في العديد من المواقف الإيجابية أيضاً. كلما زاد انفتاحي على التجارب الجديدة، كلما قابلت المزيد من الأشخاص الجدد. لقد كان الأمر بهذه البساطة. أخذت نور معي إلى كل جمعات الأصدقاء، وإلى العديد من الأماكن مثل الشاطئ والحديقة العامة، كما عرفتها على التعامل مع الحيوانات حتى قبل تعلمها الزحف.
وفي الوقت الذي كانت تكبر نور فيه وتنمو، كنت أرى أنها تستفيد من هذا الطاقة الرائعة، كانت تفتح عينيها على أصدقاء وخبرات جديدة وتستمتع بكل ذلك. في الوقت الذي كنت أريد فيه أن أدخل نور في العديد من التجارب، أدركت أنني أنا أيضاً اكتسبت الكثير من هذا كله. إن لدي الآن عدد من الصداقات الرائعة التي أقدرها جداً؛ بعضهم قريبون وبعضهم بعيدون الآن، ولكنني أتعلم كل يوم أن الصداقات لا تعرف حدوداً، حيث بات لدي أصدقاء كثر حول العالم الآن، وهذا أمر رائع.
أنا أنظر إلى نور الآن، وأدهش عندما أرى ما أصبحت عليه. كل هذه الخبرات أتت بنتائج رائعة. وكما قلت من قبل، بينما كنت أحاول بناء حياة مليئة بالحيوية لها ولي، دخلت عوالم وفضاءات جميلة. فبالإضافة إلى التعرف على أصدقاء رائعين، حصلت على شهادة لتعليم Kindermusik، وتمكنت من استعادة صلتي بشغفي للموسيقى بطريقة مميزة وذات معنى، طريقة تمكنني من مشاركة هذا الشغف مع الناس والتعلم من هذه التجربة. بالإضافة إلى ذلك، فإن اهتمامي بالسنوات الأولى من عمر الإنسان يزيد يوماً بعد يوم، لأنني أصبحت أدرك كم هي مهمة، وكيف من السهل إحدات التأثير فيها سواءً كان إيجابياً أم سلبياً. أنا منبهرة من كل ما أتعلمه الآن، وأشعر برغبة لكي أشاركه مع كل العالم.
أنا أنظر إلى نور وأرى أجزاءً مني فيها. أرى الفتاة الصغيرة التي كنت، والمرأة التي هي أنا اليوم. نتشارك معاً في نفس الاهتمامات، وأشعر بالسعادة لأنني أعيش هذه الاهتمامات معها في ضوء مختلف. أرى ملامح من شخصية نور في نفسي أيضاً، وهي السبب الذي دفعني لأتعرف على الطفلة التي بداخلي من جديد. إنها تجعلني أريد القيام بكل الأمور الممتعة!
كنت أريد أن أكون نموذجاً حياً إيجابياً لابنتي، لذا صممت بسرعة على أن أتحرك وأن أصبح نشيطة وفعالة وأن أعرّض ابنتي إلى كافة التجارب الموجودة حولنا، كما كنت مصممة على أن لا أغرق في فقاعتي أكثر من ذلك
أنا لا أقول بأن كل شيء أصبح سهلاً فجأة. أنا متأكدة من أن التحديات ستستمر بالظهور، إلا إنني أصبحت أدرك الآن بأن بعض الخيارات البسيطة قد تسبب تغييراً كبيراً. لم أكن أعرف أبداً قبل الآن مقدار ما أملك من قوة. أشعر بأنني أستطيع فعل أي شيء، وهذا الشعور لم يأتِ من مصدر خارجي، أو على الأقل ليس تماماً.
هكذا غيّرتني الأمومة. إذا كنت على وشك أن تصبحي أماً، فأنا أشجعك على أن تتحدي نفسك وأن تشركي طفلك في كل التجارب الممكنة ابتداءً من عمر مبكر، وليس من الضروري القيام بذلك بالطرق التقليدية. لن تعرفي أبداً ما هو التغير الذي سيحدثه ذلك في حياتكما، ولكن إذا قررت انتهاز الفرصة، قد تجدين مفاجأة بانتظارك.