قصص أمهات
عندما تشعرين بأن ذهاب طفلك إلى الروضة هو بداية النهاية
بالرغم من كل التأكيدات التي سمعتها من أن ذهابها إلى المدرسة سيصبح أسهل، وأنني سأستمتع بكل الوقت الذي سيكون لي لوحدي، فإن كل ما أستطيع التفكير فيه هو أنني أشعر بأن الروضة هي بداية النهاية. وحتى بعد مضي عام، مازالت آثار الحزن موجودة…
لقد حانت هذه الساعة. لقد حانت. كنت أعلم منذ خمس سنوات بأن هذا اليوم سيأتي. وكنت أعتقد في الكثير من الأحيان بأنني لا أستطيع الانتظار حتى يأتي. في الليالي اللانهائية التي كنت أستيقظ فيها من أجل إرضاع طفلة تبكي، وفي عامها الثالث المرهق والذي كانت تبكي خلاله باستمرار. عندها اعتقدت حقاً بأنني لا أستطيع الانتظار لحين ذهابها إلى المدرسة، وكنت أفكر بأنني قد استطيع أن آخذ استراحة حينها و أن أختلي بنفسي لمدة خمس دقائق عندما تذهب إلى الروضة.
لا أستطيع أن أصدق الآن بأن هذه الأفكار خطرت على بالي. أبداً! لأنه مع اقتراب هذا اليوم، ومع كل رسالة ترحيب من المدرسة ومع كل إيميل كان يصل عن اليوم الأول في الروضة، وجدت نفسي أتمسك بالماضي أكثر، ووجدت نفسي أبقيها بين ذراعي وقتاً أطول عندما أحضنها، وأقبلها أكثر، وأبكي أكثر وأكثر.
لقد أصبح عمرها خمس سنوات والوقت قد حان - حان لكي تذهب إلى الروضة. قلت لنفسي بأن هذا أمر طبيعي. جميع الأطفال يذهبون إلى المدرسة، وأن الذين لا يذهبون سيواجهون مستقبلاً مظلماً. إنه التطور الطبيعي للأمور. إن وقتاً تخصصه الأم لنفسها مهم لها. علي أن أدعها تستقل وتحلق لوحدها كما يقولون. وقالت لي الأمهات الأخريات بأن اليوم سيمضي سريعاً، وسيأتي موعد أخذها من المدرسة قبل أن تلاحظي ذلك.
أخبروني بأنها ستحب الروضة من كل قلبها ، وعلى الأغلب لن تفتقد وجودي. أعطِ نفسك اسبوعاً أو اثنين لتعتادي على الأمر، وستسعدين بكل الوقت الذي ستتفرغين فيه لنفسك، ولأختها الصغيرة. الوقت. الكثير من الوقت.
بعد قضاء كل هذه اللحظات الثمينة لوحدنا معاً - الوقت الذي قضيناه والذكريات التي تشاركناها، والضحك الذي أدخلته إلى حياتي .. والآن ستذهب من الساعة التاسعة إلى الساعة الثالثة، خمسة أيام في الأسبوع، تسعة أشهر في السنة، إلى الأبد
وأتى ذلك اليوم. وبدأت طفلتي الذهاب إلى الروضة في يوم مشمس من شهر آب.
أنا أريد أن أعود إلى كل أولئك الناس وأقول لهم: كنتم مخطئين! أن هذا ليس أمراً طبيعياً- أن تعتني بطفلك لمدة خمس سنوات ثم يؤخذ منك لمدة ست ساعات كل يوم!
بالنسبة لي كانت هذه هي بداية النهاية.
بعد قضاء كل هذه اللحظات الثمينة لوحدنا معاً - الوقت الذي قضيناه والذكريات التي تشاركناها، والضحك الذي أدخلته إلى حياتي.. والآن ستذهب من الساعة التاسعة إلى الساعة الثالثة، خمسة أيام في الأسبوع، تسعة أشهر في السنة، إلى الأبد. أو على الأقل لحين تخرجها من المدرسة الثانوية. ولكن الأمور ستزداد صعوبة بعدها. ستذهب إلى الجامعة، وتسعى وراء مستقبلها اللامع، وستحب رجلاً رائعاً وستتزوجه..
وستمضي في حياتها..
هذا ما ستفعله. إن كل ما تفعله الروضة هو أن تحضرها للمضي في حياتها المستقلة، لأنه عندما تبدأ المدرسة فإن الوقت الذي أعتقد بأنه يمضي سريعاً الآن، سيمضي بسرعة أكبر وبوتيرة تثير الخوف. إن الوقت المخصص لنا وحدنا أنا وهي كأم وطفلتها الصغيرة سيصبح ذكرى بعيدة مع مرور هذا الوقت. الوقت الذي لا أستطيع استرجاعه. الوقت الذي لا يتوقف. الوقت الذي أستطيع أن أتذكره وأن أعيشه مرة أخرى في مخيلتي، ولكنني لا أستطيع الأمساك به أو الاحتفاظ به.
إنها تمضي في حياتها. ومع اقتراب الصف الأول، فإنها تشعر بالحماس ولكنها مازالت تفضل البقاء معي في المنزل. ولكن ستضعف هذه المشاعر مع الوقت ومع مرور السنين.. أنا أعلم هذا بعقلي حتى لو كان قلبي يرفض التصديق.
نعم، أنا أعلم بأن هذا هو التطور الطبيعي للأشياء. نحن نحب أطفالنا ونحضرهم لمواجهة العالم الحقيقي ليتمكنوا من المضي في حياتهم، بعيداً عنا، وليصنعوا لأنفسهم حياة رائعة. ليحبوا ويتزوجوا وليصبح لديهم أطفال رائعين.
ولكن لماذا يبدو الأمر غير طبيعي إذن؟ متى سيصبح الأمر أسهل؟ متى سأصبح جاهزة لانتهاء عطلة الصيف؟ جاهزة لآخذ استراحة من أطفالي؟ جاهزة لكي يبقوا بعيدين عني طوال اليوم؟ قد يعتقد البعض بأنني أعيش في عالم مثالي أتظاهر فيه بأن لدي طفلات مثاليات وأننا لا نختلف أبداً. ولكن الأمر ليس كذلك. إننا بشر، ونخطئ كل يوم - ونخيب آمال بعضنا البعض ونتشاجر ونغضب من توافه الأمور.
ولكنني أعلم آننا لن نستعيد هذه اللحظات مرة أخرى، وأن هذه الأيام هي الأيام التي تمضي ببطء بينما تطير بنا السنوات بسرعة.
إن هذا الوقت هو وقتنا مع أطفالنا، عندما يتطلعون إلينا ويريدون البقاء معنا، ويريدون أن يصبحوا مثلنا. إن هذا الوقت الذي أستطيع أن أكون فيه أفضل نسخة من نفسي.. الوقت الذي أترك فيه الهاتف والحاسوب والفواتير، وأجلس مع صغيراتي للعب والحديث والضحك. هذا هو الوقت. لأننا لن نستعيده مرة أخرى، فقد بدأت الروضة.. إن نهاية هذا الوقت ستأتي قريباً، وقبل أن آنتبه سأستدير لأجد طفلتي الصغيرة وهي تلوح لي مودعة وهي في طريقها إلى الجامعة. ستبتسم بفرح وهي تعرفني على “الشخص المناسب”، وسترسل لي قبلة وهي ترقص في حفل زفافها. سيكون الوقت قد مضى.
إن نهاية هذه العلاقة ستحل قريباً ولكنني أؤمن بأن علاقة جديدة ستبدأ، وستكون مميزة مثل التي نتشاركها الآن، ستكون مختلفة ولكن جميلة. ستصبح فتاة مستقلة، ولن تحتاج إلي في كل شيء كما هو الحال الآن، ولكنني أعتقد بأنها ستكون بحاجة إلي على كل حال.
إن هذا الوقت هو وقتنا مع أطفالنا، عندما يتطلعون إلينا ويريدون البقاء معنا، ويريدون أن يصبحوا مثلنا. إن هذا الوقت الذي أستطيع أن أكون فيه أفضل نسخة من نفسي.. الوقت الذي أترك فيه الهاتف والحاسوب والفواتير، وأجلس مع صغيراتي للعب والحديث والضحك
وهكذا سأتقبل العام الدراسي الجديد بصدر رحب، وكل عام سيأتي بعده. سأشعرها بأنني موجودة من أجلها حتى عندما تكون في المدرسة.. أنا هنا. تستطيع أن تتحدث معي. وحتى عندما لا تحتاج إلي سأبقى هنا. وحتى عندما تذهب الحاجة لكي أربط رباط حذائها وأجدل شعرها وأشتري لها الأيس كريم، سأبقى هنا. وحتى عندما أشعر بأن الروضة هي بداية النهاية سأقول لنفسي بأنها ليس كذلك، لأن علاقتنا ستكبر وتتغير وتأخذ شكلاً جديداً.. مثلها تماماً عند بداية كل عام دراسي جديد.
في النهاية، ستبقى دائماً طفلتي الصغيرة، وسأكون دائماً أمها، وكل نهاية نكتبها في رحلتنا في الحياة ستعطينا بداية جديدة..
نشر المقال الأصلي باللغة الأنجليزية في The Cole Mines