قصص أمهات
رسالتي لكل أم جديدة في اليوم العالمي للصحة النفسية
بقلم: أمل دلول، أم لطفل
الأمومة أعظم شعور في الحياة، وكأنه حلم كبير جداً لكل فتاه تتمنى تحقيقه عندما يشاء الله ووفقاً لظروف معينة وحالة شعورية داخلية، تنقل الفتاة من مرحلة تكون فيها طفلة تُرعى إلى أن تلد طفلا ترعاه.
بعد زواجي بعدة أشهر تأكدت من حملي بطفلٍ صغير ينمو في داخل رحمي كغيمة خفيفة، تكبر وتكبر مع مرور الأيام والأشهر.
خلال أشهر الحمل الأولى، كنت أشعر ببعض الضيق، والاستفراغ، والوحام، والنوم الزائد والخمول، أما في الأشهر الوسطى فقد كنت سعيدة جداً..
إحساسي بطفلي بدأ يزداد وبدأت الغيمة الخفيفة تصبح أثقل وأثقل، كنت سعيدة بتجربة ملابس الحمل، وتجهيز ملابس الطفل، لكن الأشهر الثلاثة الأخيرة كانت الأصعب، احتباس الماء، وزيادة الوزن، وكثرة مواعيد تخطيط انقباضات الرحم استعداداً للولادة وهطول المطر!
بعد الولادة، جلست في المستشفى لثلاثة أيام حتى أستعيد صحتي الجسمية، ولم أستوعب حينها فكرة أنني أصبحت أماً، إلا عندما أتت الممرضة وأعطتني طفلي عمر لأرضعه طبيعياً!
بدأت أحاول وأحاول دون جدوى، كان طفلي يرفض تماماً الرضاعة مني، شعرت بالإحباط، ولم افهم رفضه لي، لم أستوعب مدى صعوبة الرضاعة الطبيعية في الأيام الأولى بعد الولادة، وخاصة إذا كان الطفل طفلك الأول.
ذهبت الممرضة وأخبرتها بأن تعود لاحقاً، وعندما عادت تكرر الرفض، واستمر الوضع على هذه الحال مدة شهر كامل! رفض عمر رفضا تاماً أن يرضع من أمه، لجأت لشفط الحليب لشهر، لكنني لم أستطع أن أكمل بعد ذلك لتوقف الحليب ربانياً بسبب عدم طلب طفلي للحليب طبيعياً.
بعد عدة أيام، توفى والدي بعد معاناة لسنوات طويلة مع الجلطة الدماغية، لم أكن أحتمل صدمة أخرى، كانت أياماً صعبة لا أتمنى أن يمر بها أي إنسان لكن الحمد لله على كل حال.
بدأت أشعر بالانفصال عن نفسي وعن المحيط الذي اعيشه، انتهت فترة العزاء، رحل الناس، وحل الهدوء في منزل أهلي، وكان عمر فقط هو الضحكة التي ترتسم على وجوه أخوتي وأمي.
عدت مع عمر لمنزلي، كان زوجي سعيداً جداً بذلك، إلا أنني لم أكن أشعر بأي اتصال أو اشتياق لبيتي الصغير وغرفتي ومطبخي وزاوية القهوة وأي شيء على الإطلاق.
أريد أن أعود لمنزل أهلي، ولا أريد أن أكون مع هذا الطفل لوحدي!
حاولت جاهدة أن أتقبل وجود عمر في حياتي، ولكني كنت أظلم نفسي كثيراً، زوجي أخبرني بأني أعاني من اكتئاب ما بعد الولادة ولكني كنت أشعر كما لو أنني مريضة جسدياً، لم أكن مدركة لكل ما أمر به نفسياً.
كنت أفكر كيف سأتخلص وأرتاح من عمر لأكبر قدر من الوقت، لا أريد الاعتناء به أو حتى إرضاعه، لا أريد تبديل ملابسه، أريد أن أخرج من المنزل من دونه، لا أريده برفقتي، أذكر أنني في بعض الأحيان كنت أفكر أن ألقيه في القمامة!
كنت أزور قسم الطوارئ كل أسبوع تقريباً، أشعر بارتفاع نبضات قلبي وأختنق وأصرخ بالبكاء وكأني سأموت..
وبعد عدة فحوصات أكد لي أحد الأطباء أنني أمر بحاله هلع وهي حالة نفسية نتيجة صدمة وخوف، ويجب أن أساعد نفسي لأتحسن..
عدت لمنزلي وبدأت أنظر في وجه عمر الصغير المبتسم، وأتأمله جيداً، أحبك جداً يا صغيري ولكني لا أدري كيف أتعامل معك، اتهمني بعض أفراد العائلة بأني أم ناقصة الحنان لأني لم أستطع أن أرضعه طبيعياً..
عندما كان يبكي كنت اسمع جملة: "أعطه القليل من الحنان، طفلك بجاجة لحنانك" وكأن الأطفال لا يبكون مطلقاً! جلس معي زوجي عدة مرات لأستطيع أن أعبر عما أمر به أو أن أفكر فيه ولم أكن أستطيع التحدث، فعلا، لم أكن أستطيع التعبير مطلقاً.
بعد عدة أيام، نظرت إلى أجندتي الخاصة في حقيبتي، لم أفتحها منذ شهر ونصف، لم يتبقى سوى أسبوع حتى انتهاء إجازة الأمومة، وقد قضيت شهراً كاملاً ونصف وأنا مكتئبة وحزينة، لا أستطيع أن أعتني بنفسي، أو أعتني بطفلي!
وهنا شعرت وكأنني استيقظت من سبات عميق، اتصلت بزوجي وأخبرته بأني سأخرج مع عمر في نزهه قصيرة، بالطبع كان قلقاً ولكن قال لي: "أهلا بعودتك".
ذهبت مع عمر في رحلة قصيرة وكنت أتحدث إليه طوال الوقت وكان يبتسم، وعندما يبكي، أرضعه حليباً صناعياً وهكذا تقبلته وتقبلت كوني أما وعمر هو صديقي الجديد.
منذ ذاك الوقت، أيقنت بأني يجب أن أعتني بنفسي لكي أستطيع أن أعتني بطفلي، وأيقنت بأنني الوحيدة القادرة على مساعدة نفسي لتنهض في أوقات الضعف.
تقبلت نفسي، وتقبلت جهلي بالأطفال والاعتناء بهم وإرضاعهم وأسلوب حياتي الجديد الذي لم أكن أتوقعه بعد الولادة.
عزيزتي الأم، اعتني بنفسك، واقرئي كثيراً، ثقفي نفسك قبل الحمل وأثناءه وبعد الولادة، لا تسمحي لأي شخص أن يملي عليك خبراته مع أطفاله خاصة فيما يتعلق بالرضاعة الطبيعية.
حاولي بكل الطرق، اسهري، ابذلي قصارى جهدك لتكوني راضية من اجلك أنت ومن أجل طفلك، واعلمي جيداً أنك أم بالفطرة..