قصص أمهات
قصتي أهديها إلى كل الأمهات الخارقات
بقلم: ساجدة الشمايلة
"كم عمر ابنك؟ لماذا لم يتكلم حتى الآن؟ ما خطبه؟ لماذا يتناول طعامه مهروساً؟ لماذا... لماذا... لماذا؟" أسئلة كثيرة لم أكن اعرف الإجابة عليها لأنني وببساطة لم يكن لدي الجواب الشافي والصحيح لها.
كنت أشعر بالضيق والغضب والحزن، فأترك المكان أحياناً تجنباً لهذه الأسئلة.
عندما بلغ ابني "أحمد" الثانية والنصف من عمره، طلب مني أخي عمل تقييم وفحوصات سمعية وبصرية له، لأنه شعر بالقلق كون أحمد لم ينطق بأي حرف حتى تلك اللحظة، ولم يكن تواصله البصري والحركي مثل باقي الأطفال في عمره.
الفحوصات البصرية والسمعية وحتى فحص الأعصاب كانت جميعها سليمة... الحمد لله.
أربع أشهر طوال وأنا ابحث عن مركز أو طبيب أو مختص يريحني من هذه الحيرة وهذا القلق...
طبيبان نفسيان مختصان أكدا لي أن ابني سليم وهو فقط لديه "صعوبة أو تأخر في النطق"وربما هذا أمر وراثي وسيتحسن مع الوقت.
ابني لا يعاني من التوحد كنت متأكدة من ذلك، كان حدس الأمومة بداخلي يقول لي أن هناك مشكلة ما لكن ليست توحد.
أنا أم مثقفة ومتعلمة، عملت لسنين مع أطفال مصابين بالتوحد وأطفال من احتياجات خاصة. لست أماً تعيش في حالة من النكران وأعلم جيداً عواقب أن يعيش الأهل وخصوصاً الأم حالة من النكران على المدى البعيد.
بعد عمل فحوصات للدم والحساسية اتضح أن أحمد يعاني من حساسية عالية جداً من الحليب البقري ومشتقات الألبان، والحساسية هذه كانت تؤثر على تركيزه وعلى نومه وأكله وحتى إدراكه. بدأت تدريجياً باستخدام بدائل للحليب البقري حتى وصلنا إلى استخدامها بشكل كامل بدلاً منه وبالفعل لاحظت تطوراً كبيراً وتحسناً في تركيزه وحتى في أكله ونومه حيث أصبح ينام بشكل متواصل في الليل ويأكل بشكل أفضل قليلاً من قبل ولكن مشكلته لم تكن قد حُلت، ولكن استقصاء الحليب وتغيير نظامه الغذائي لحمية خالية من مشتقات الحليب والسك، كان الخطوة الأولى في علاجه وكانت خطوة صحيحة ١٠٠٪ وأنصح بها كل أم بغض النظر عن طبيعة ابنها وإن كانت لديه صعوبة أم لا.
الخطوه الثانيه كانت البحث عن مختص أو مركز لمساعدتي في موضوع النطق، وما أكثر المراكز والمختصين وما أكثر تشخيصات "التوحد" التي يشخصونها في أول ١٠ دقائق من لقائهم للطفل للأسف.
بعد فضل من الله سبحانه وتعالى قادتني الصدف إلى أخصائية رائعة -التي أدين لها بالكثير- تعمل في مركز مختص لخدمات تطور الأطفال، حيث كان تشخيصها أن ابني أحمد مصاب "باضطراب التكامل الحسي (Sensory Processing Disorder)"...كانت أول مرة أسمع بهذا الاضطراب! بدأت أبحث وأقرأ وأسأل، ولكن قلقي وخوفي كانا يزيدان مع الأيام
كان هذا الاضطراب هو سبب تأخره بالنطق. أصبح علينا البدء بجلسات علاج وظيفي لتحسين عمل الفك وجلسات علاج نطق ليتمكن من نطق الأحرف بشكل سليم.
بدأت رحلة العلاج التي لم أكن أعلم كم ستأخذ من الوقت، كل ما أتذكره انني كنت أعد الأيام والأشهر وأقول "ها قد أتممنا شهراً من العلاج ولم يتكلم بعد؟ شهرين؟ ثلاثة؟ ستة أشهر؟ لمَ لم ينطق ابني بعد؟ "
تحسُّن أحمد كان بطيئاً جداً فبعد الشهر السادس من العلاج، بدأت الحروف الأولى بالظهور وسمعت "ماما" لأول مرة منه على عمر ٣ سنوات وشهر.
بعد ذلك، بدأ أحمد يمسك ملعقة الطعام لوحده بعد أن كنت اطعمه بيدي لأنه لم يكن يستطيع استخدام الملعقة، أصبح يمضغ الطعام الصلب جيداً ولم نعد نهرس له الطعام.
لا أستطيع أن أذكر عدد المرات التي بكيت فيها لأسباب ربما لا تبكي لها أي أم، ولكن وضعي كان مختلفاً فأنا أجرب هذه الأحاسيس لأول مرة.
أصبح تحسن أحمد أسرع بعد ذلك فالكلام أوضح بطريقة ما وأصبح تدريجياً يعتمد على نفسه في كثير من الأمور حتى تركيزه حركته طعامه كل ذلك أصبح في تحسن مستمر.
مع الجلسات الآن وبعد حوالي سنة ونصف، تمكن أحمد من التحدث وأصبح لديه مخزوناً جيداً من الكلمات لم أعد أعد الأيام ولا الأشهر ليصبح ابني مثل أقرانه من ناحية النطق فأنا الآن متقبلة لواقعه وواقعي وللتحدي الجميل الذي أعيشه خصوصاً أنني أربيه لوحدي فأنا له الأم والأب في نفس الوقت وهذا لوحده تحدي كبير وليس سهلاً. ستأخذ مرحلة العلاج وقتاً طويلاً والجلسات الطبيعية وجلسات النطق ربما ستستمر عدة سنوات.
سأطرح الكثير من الأسئلة وسنمر بمواقف صعبة وتحديات أكبر من التي مررنا بها، لكنني ومع مرور الوقت أدرك النعمة التي أنعمها الله عليّ وأشكره عليها وعلى قوتي التي أستمدها منه، من أهلي وأصدقائي الذين اعتبرهم سندي الثاني من بعده عز وجل.
تعرفت على الكثير الكثير من الأمهات الخارقات في هذه الرحلة الجميلة وعشنا حلوها ومرها تحدثنا كثيراً عما مررنا به ونمر به من تجارب مع أطفالنا ويجب أن اعترف أنني لم أقابل في حياتي أمهات فيهن أمل وسعادة وتفاؤل وقوة مثلهن.
نعم...جميعهن أمهات خارقات وربما هذا أبسط تعريف يطلق عليهن، في وجه كل واحدة فيهن أرى القوة العزيمة الإصرار والحب، وكل هذا اعتبره دافعاً لي لأكمل مسيرتي مع ابني.
"God will never give you what you cannot handle"
جملة رائعة اختم بها حديثي.. فالله عز وجل لن يعطيك ما لن تستطيعي تحمله. فهو يثق بكِ وبقدرتك على تجاوز الصعاب جميعها. كوني رمزاً للقوة التي سوف يستمدها منك ابنائك، لا تضعفي... لا تيأسي... ولا تفقدي الأمل بالله سبحانه وتعالى.
لأجلهم ولأجلك كوني أماً خارقة...
اقرئي أيضاً: