مذكرات
لا تجعلوا من البيت بيئة طاردة للأبناء
بقلم: الكاتبة أمل الحارثي
تُعاني الكثير من الأُسر العربيَّة اضطراباتٍ مستمرةً تهزُّ كيان البيوت الهشَّة ، قد تستمر سنوات طويلة على شكل زلازل تضرب البيوت كل فترة، لتعود بعدها الأمور إلى مجاريها مظهريًّا، بينما الآثار النفسية على وضع الأطفال في المنزل تدوم وتتطوَّر إلى قلقٍ مُستمر مِن فقدان البيت أو الابتعاد عن أحد الوالدين.
بعض المشاكل التي تعصف بالبيوت تقتلع السكينة من جذورها، وينتهي الأمر بحياة عائلية خالية من الأمن والأمان، يكفي أنْ تقدح شرارة اختلاف بين الزوجين حتى يندلع في البيت حريق يلتهم السلام العائليّ، فينتهي الأمر بارتفاع الأصوات، وزيادة وتيرة المشاحنات التي تزيد من أوضاع الأبناء سوءً.
"تقول سلمى وهي شابة في السنة الأولى في الجامعة إنها تحلم في اليوم الذي تتزوج فيه لتخرج من بيت أُسرتها، الأمور على حدِّ قولها لا تُطاق، والاختلافات بين والديْها لا تنتهي."
"ريم مراهقة لأُمٍّ وأبٍ مُطلَّقين، تعيش بين البيتيْن في أوضاع غير مستقرة، تشعر بخوف دائمٍ مِن أنْ يأتيَ يومٌ تتزوج فيه والدتها كما فعل والدها، خصوصًا وأنها تسمع نصائح أسرة والدتها لها بالزواج دائماً، أمر مُرعب بالنسبة لها قد يقود حياتها إلى المجهول."
"أما جمال فهو طفلٌ لاحظَتْ مُدرِّسته انخفاض مستواه الأكاديمي بشكل مفاجئ، وعندما واجهَتْه بالأمر انهار باكياً مُعبراً عن خوفه من أنْ تتفاقم المشاكل بين والديْه فينفصلا، جمال أخبَرَ مُدرِّسته أنه خائف على فراق أخيه الصغير؛ لأنه ما يزال في حضانة والدته، وأنه لا ينام الليل من القلق."
قصص مؤلمة سمعْتُها من أخصائية اجتماعية تحدثَتْ لي عن الحالات التي تعاملت معها، والتي انتهى الكثير منها بنهايات سيئة، فالكثير من حالات الزواج في سن مبكؤة للفتيات سببها الهروب من منازل مشتعلة، والكثير من القرارات الخاطئة التي يتخذها الأبناء في سنٍّ حرجة تدور في هذا الفلَك.
البعضُ يُغرِقُ بيته بالمشاكل، فيهرب الأبناء بحثًا عن أي طوق نجاة يُوصلهم إلى بَر الأمان، فيقعون في ظروف أسوأ؛ بسبب سوء اختياراتهم.
قد يقولُ قائل إن الكثير من الأبناء يُخطئون في الاختيار، لأسباب أُخرى لا تتعلق بالوالدين، وهذا صحيح فكلُّنا غير معصوم عن الخطأ، ولكن على الأقل يجب علينا نحن أولياء الأمور ألا نتحمل مسؤولية أوجاع فلذات أكبادنا وآلامهم.
إنَّ الأمان النفسيَّ من أكثر الأمور التي يحتاجها الطفل؛ لذا فحتى وإن كانت المشاكل التي تعصف بالبيوت لظروف خارجة عن إرادتنا، إلا أن التعامل معها يجب أنْ يكون بحكمة، وأنْ يُؤخَذ بعين الاعتبار مصلحة الأطفال في كل القرارات، فإن قرَّرَ الزوجان الانفصال فليكن انفصالًا إيجابيًّا يكون في سُلم أولوياته تأمين حالة مستقرة متوازنة للأبناء، وإنْ قرَّرَ الزوجان البقاء معًا فليحاول كلٌّ منهم أنْ يجعلَ مِن البيت سَكَنًا هادئًا تُراعى فيه نفسيات الأبناء الحساسة في هذا السن.
علينا ألا نجعل من بيوتنا بيئات طاردة لأبنائنا، بل أنْ نوفر لهم الأمن والأمان، وأنْ نحتضنهم ونجعلهم أولويَّة، وأنْ نمنحهم الحُبَّ غير المشروط، وأنْ نُبعد مشاكل الكبار عنهم قدر المستطاع، ليس دورُنا كأولياء أمور أنْ نتخذ القرارات نيابةً عن أبنائنا، بل أنْ نُهيئ لهم الظروف المناسبة لاتخاذ القرارات الصحيحة ، وأنْ ندعمهم مهما كانت النتائج.
اقرئي أيضاً: