مقابلات
سعاد وإيناس قصتين لمرض واحد... سرطان الثدي
هذه مقابلة مميزة ومفيدة في نفس الوقت، في خضم البحث عن أمهات يشاركننا رواياتهن مع سرطان الثدي لزيادة التوعية عنه ومشاركة تجاربهن مع أمهات أخريات، وجدت مجموعة دعم مغلقة "متحديات سرطان الثدي – خاص بالمريضات" على الفيسبوك فأثار فضولي إغلاقها. طلبت الالتحاق بها إلا أن واحدة من المسؤولات عنها "إيناس القاضي" أرسلت لي اعتذاراً لعدم قبولي لأنني لست مريضة، تفهمت الرد ولكنني أوضحت هدفي وراء الانضمام. فرحبت بي وعرفتني أيضاً على مؤسسة المجموعة "سعاد بو عزة". كان التعامل أرقى ما يمكن، قوبلت بتعاون وترحيب تامَّين وكانت هذه المقابلة نتاج حديثنا الرائع عن سرطان الثدي في شهر التوعية.
طلبتُ من سعاد وإيناس التعريف عن أنفسهن حتى نتعرف عليهن أكثر:
أجابتني إيناس:" أنا إيناس القاضي ليبية الجنسية، خريجة فنون تشكيلية وحاصلة على بكالوريوس تصميم أزياء مغتربة منذ 21 عاماً مقيمة في صوفيا عاصمة بلغاريا. زوجة وأم لبنت وولدين."
أما سعاد بوعزة قالت: " أنا جزائرية مقيمة في ألمانيا منذ عقد من الزمن خريجة معهد علوم الإعلام والاتصال تخصص صحافة مكتوبة من جامعة وهران، وأم لابنتَين، تجاوزت منتصف الثلاثين من العمر."
فكان أول سؤال لي في هذه المقابلة: هل من الممكن أن تخبرننا عن تجربتكما مع سرطان الثدي:
- كيف علمتما بالأمر؟ هل كانت هناك أعراض، كيف توجهتما إليه؟
سعاد:
"السرطان كمصطلح لم يكن بالجديد في حياتي، ففي مخي تشكلت له صورة وحش، كان هذا خيال طفلة في الرابعة من عمرها تسبب السرطان في وفاة والدتها وأم فقدت فلذة كبدها بسبب هذا المرض. أي أن علاقتي بالسرطان تلخصت في كوني الطفلة، الأم ثم المريضة نفسها.
اكتشافي للمرض ارتبط بتوفر أحد اعراضه لدي: " كتلة صلبة في الثدي "! إضافة إلى العامل الوراثي، فبعد اكتشاف مرض ابني عملت التحليل الجيني وتبين أنني أحمل الجين الوراثي للمرض كما يحمله... هذا ما عزز احتمالية كون الورم خبيث رغم أنه لم تكن لدي أعراض أخرى
من مفارقات الحياة أني اكتشفت المرض بعد شهر واحد من وفاة ابني بسببه، هذا الواقع تحديداً تسبب في اختلاف وقع الإصابة لدي."
إيناس:
" كنت أعيش حياة طبيعية لا أولوية لنفسي فيها، أولوياتي أولادي وزوجي بيتي وأهلي... مررت بضغوط حياتية عصبية ونفسية أعتقد أنهم مع باقي العوامل الأخرى تسببوا في إصابتي.
وكان لديَّ هاجس داخلي من السرطان وبالصدفة خلال كشف دوري اكتشفت إصابتي. أما تجربتي فهي إيجابية زادتني قوة في الحياة وجراءة وحب للذات كما أراد لها الله أن تكون.
صحيح أن هناك أعراض تنذر بالإصابة إلا أنني لم أشعر بأي عرض أبداً... وهنا وجب التنبيه أن الفحص ضروري مهم وإن لم تشعري بأي عرض وأنا تجربة حية!"
- صِفا لنا رحلتكما مع التشخيص والعلاج ولو بشكل مختصر:
سعاد:
"حينها كنت أمر بظروف صعبة في حياتي، كنت أتحسس الكتلة وهي تكبر وأؤجل الفحص كل مرة إلى أن قررت مواجهة الواقع أياً كان... والنتيجة كانت سرطان الثدي.
نعم سرطان الثدي، في الحقيقة وقع المرض لم يكن حاد القسوة عليَّ، لأنه وفي ظل ظروف فقدان ابني، كل شيء من الصعاب بات هيِّناً. إضافة لأني طالما توقعت إصابتي به.
خطة علاجي بدأت بالعلاج الكيميائي فأخذت ست جرعات "تاك " الحمد لله كان مقدور عليها وعلى آثارها الجانبية وصدقاً سقوط شعري لم يؤثر على نفسيتي القط لأني كنت أعلم أنها مرحلة وسوف تنتهي فلقد كنت أبتسم عندما كانت تشبهني ابنتي الصغرى بأخي وأنا بدون شعر.
المرحلة الثانية من العلاج كانت العملية حيث تقرر استئصال الثدي كلياً مع البناء والترميم في نفس الوقت. والمرحلة الثالثة والأخيرة كانت علاج الهيرسبتين لمدة عام بمعدل تسعة عشر جرعة كانت آخرها شهر مايو عام 2016."
إيناس:
" هي رحلة ثواني أو دقائق شعرت بتخبط وضياع وانهيار في كل شيء داخلي؛ مواجهة مع الموت وخوف وقلق على أولادي لحظة معرفتي بتشخيصي بسرطان الثدي مرحله ثانية إلا أن هذا المشاعر اختفت عندما فوَّضت أمري لله بكل هدوء، تقبلت قضاء الله وأكملت تشخيصاتي وخضت تجربة علاجي بقليل من الصعوبة. خضعت لعملية استئصال كامل لثديي اليسار ثم وصفت لي ست جرعات من العلاج الكيميائي وخمس وعشرون جلسة علاج إشعاعي وخمس سنوات علاج هرموني وأنا الآن بالسنة الثالثة. أشعر أنني بخير وفضل من عند الله."
والآن، لنتحدث أكثر عن مجموعة الدعم "متحديات سرطان الثدي"...ما التحدي الذي مررتما به حتى بدأتما بتأسيس وإدارة مجموعة؟
إيناس:
" سأترك لسعاد إجابة السؤال عن تأسيس المجموعة. أما عن إدارتها... للأمانة إنه لأمر شاق أن تكوني مسؤولة عن مجموعة متحديات داخلهم مخاوف كثيرة وآمال كبيرة واختلاف المستويات الثقافية وحتى الاختلافات في الإيمان. فكل هذا يشكل تحدياتٍ لنا ولكن بسبب خبرتنا أصبح لدينا القدرة على تجاوز الكثير من الأمور الصعبة... الحمد لله.
سعاد:
"بعد اكتشاف المرض وسعياً مني لتقبل الواقع والتأقلم معه وانطلاقاً من مبدأ أنني لست الوحيدة المصابة بسرطان الثدي؛ سعيت في البحث عن سيدات أتشارك معهن الأمل والألم. في غربتي ووحدتي، كان العالم الأزرق هو السبيل الوحيد للخروج من القوقعة فجاءت فكرة المجموعة الخاصة بالمريضات."
سمعنا أن قواعد الانضمام الى المجموعة قواعد صارمة ...ما هي وما هو الهدف وراء هذا؟
سعاد:
"اسم مجموعتنا " متحديات سرطان الثدي " هذا الاسم يختزل قانون الإضافة لدينا حيث نقبل فقط إضافة المريضات، وليس كلهن بل فقط من قررن العلاج وتحدي المرض. ونأسف أنه توجب علينا استثناء البعض ممن رفضن العلاج الطبي بما فيه العلاج الكيميائي ولجأن إلى الطب البديل والأعشاب يقيناً منا أنهن يلقين بأنفسهن إلى التهلكة التي قد تشمل غيرهن في حال قبولهن في المجموعة."
إيناس:
" نعم قواعدنا تحمي كيان المجموعة الذي يهدف إلى تقديم الدعم والمساعدة. لذا لا نقبل إلا حالات سرطان ثدي فقط ونساء فقط ان يكونوا مصابات نقبل بنات متحديات واخوات متحديات في حالات معينة كعدم وجود حسابات على الفيسبوك لقريباتهن المتحديات
نرفض انضمام أطباء ففي حياة كل متحدية طبيبها المعالج، ما نحتاجه هنا دعم أهل التجربة وأن أسمع من سيدات كلام مريح وإيجابي مثل: "نعم أنا بخير أو أنا تجاوزت الأزمة وستكونين أنت بخيرٍ أيضاً... وأن هذه المرحلة من حياتك ليست بفترة دائمة بل مؤقتة وأنت لست لوحدك فنحن مع بعضنا البعض خطوة بخطوة."
دائماً ما نسمع الكثير عن مريضات سرطان الثدي أو عن المرض نفسه مما شكل لدينا مفاهيم ومعتقدات مغلوطة كثيرة. هل يمكنكما ذكر ثلاثة مفاهيم خاطئة عن مرضى سرطان الثدي تتمنين لو أن الناس يتوقفون عن ذكرها والتحدث عنها؟
سعاد:
"ما أتمناه فعلا هو تقبل المجتمع العربي لهذا المرض واعتباره مثل غيره من الأمراض: لا للخوف من ذكر اسمه، لا للخوف من الاعتراف بالإصابة.
أتمنى ألا نعتبر مساكين، ألا نكون محط شفقة ولا محط ربح لتجار يدَّعون أن لديهم العلاج من خلال منتوجات وهمية ليست نتيجة أبحاث علمية، وأقول أن العلاج الطبي هو السبيل الوحيد للشفاء.
يعتقد الكثيرون أن مرضى السرطان لديهم امتيازات تتعلق بالعلاج ولكن هذا غير صحيح في معظم دول العالم العربي! لهذا، أتمنى أن تكون إمكانية العلاج المجاني متاحة لكل المريضات ونخص بالذكر توفير علاج الهيرسبتين لأنه باهظ الثمن ومفيد جداً لبعض الحالات."
إيناس:
"أولاً: السرطان دائماً ينتصر: كلمة محبطة وتهدم انتصارات داخل النفس ومغلوطة أيضاً؛ فكلما أسرعنا بالفحص ازدادت فرص النجاة والتعافي التام وإن حصلت الإصابة، العلاج متاح والحمد لله.
ثانياً: صور السيدات والأطفال مرضى السرطان بدون شعر: ربما تظهر هذا الملصقات بأنها عادية للبعض إلا أنها بالنسبة لنا مدمرة وقاتلة. أنا أراها كأنها استغلال لمشاعر الغير وشفقة عطف وأنا لا أقبل سوى التضامن والدعم.
ثالثاً: أنا صغيرة بالعمر فلن أصاب: هذه الثقة المغلوطة سبب في انتشار المرض وفقد أمهات وأخوات للأسف."
هنا أتساءل، ما الذي يمدكما بالقوة للاستمرار في مسيرتكما وما هو الدعم الذي تحتاجانه؟
سعاد:
"لا أدري إن كان يحق لي تقييم المجموعة ولكني بصراحة أرى أنه ما يمدني بالقوة هو تحقيق الغاية من إنشائها: أخوَّة، صداقة، مودة، مؤازرة، دعم، وتبادل مشاعر صادقة بين مريضات من مختلف أنحاء الوطن العربي... هذا كله حافز وعامل على مواصلة المشوار في بيت المتحديات.
إيناس:
" كلمات بسيطة أقرأها من أخواتي أن المجموعة ساعدهم، أنهم وجدوا فيه خصوصيتهم ونساء أخريات يشعرن بوجعهن، ومشاركة قلق الفحوصات والتحاليل وضبط المرض! كلها أمور قربتنا لبعضنا وتمدنا بالقوة.
وما احتاجه: احتاج لتوفيق الله للاستمرار في دعم المتحديات ليصلوا لبر الشفاء والتعافي بإذن الله."
لو طلبت منكما وصف تجربتكما مع السرطان بجملة واحدة، ماذا ستكون؟
سعاد:
"السرطان بالنسبة لي لم يكن الشبح الأسود المرادف لاسم المرض، كانت تجربة مميزة دروسها لا تقدر بثمن وأهم ما جنيته منها: القوة، تعلم الصبر والثبات الحمد لله."
إيناس:
" تجربة إيجابية أحببتها فأنا اليوم أفضل من "أنا" بالأمس."
في نهاية مقابلتنا، ما هي نصيحتكما لكل امرأة متحدية لسرطان الثدي؟
نصيحة سعاد:
أقول لها: "شفاؤك يبدأ بخطوة تقبلك للمرض، والرضا والامتحان الإلهي هذا. السرطان ليس نهاية العالم بل بداية حياة جديدة قد تكتشفين إيجابياتها عبر الأيام... ابتسمي وأنت تعبرين نهر الشفاء والتحدي، الحياة تصور وبالابتسامة تبدين أجمل."
نصيحة إيناس:
"ابتعدي عن الشخصيات السلبية، تجنبي الضغوطات النفسية وادعمي نفسك وضعيها على قائمة أولوياتك وليكن إيمانك بأن ما أصابك إلا قدرك فاحمدي الله وتقبليه بشكر ورضا، لأن أمر الله نافذ ليكن نفاذه مصحوب برفع أجرك عند الله وغفران لذنوبك.
وليكن يقينك أن من ابتلاك قادر على ان يشفيك وإيمانك أي كانت ديانتك أمر مهم ومن المهم أيضاً الانتظام في علاجاتك والالتزام بمواعيد فحوصاتك وبإذن الله ستصلي لبر الشفاء واليوم متحدية للمرض وغداً ناجية منه بإذن الله."
كل إجابة من إجاباتهن بعثت الإيجابية والأمل في نفسي ولمست القوة الموجودة في داخلهن، وفهمت أن الفحص المبكر والتشخيص وأي مرحلة من مراحل العلاج كلها أمور صعبة ولكن هينة لكل من يتقبلها ويرجع للخبراء فيها وأن الدعم المعنوي من أهم الأمور التي يجب على المرء الحصول عليها في المحن والمصاعب.
مع تمنياتي لجميع المرضى بالشفاء العاجل.