العناية بالذات
لماذا نال كتاب "احتراق الأم" صيتاً واسعاً بين الأمهات
كثيراً ما نشبه الأم بأنها شمعة تحترق لتضيء ما حولها، ولكن يبدو هذا التشبيه أقرب إلى كونه تشخيصاً أو وصفاً للحالة التي تعيشها الأم حقاً، حين يزيد الأمر عن حده وتتوالى الضغوط تباعاً عليها، فتشعر بالاحتراق نفسه الذي يشعر به الشخص المنهك في وظيفته والذي يعاني من الاحتراق في العمل.
هنا، تنفرد شيرل زيجلر في كتابها "احتراق الأم" (Mommy Burnout) بتوصيف هذه الحالة التي توصلت إليها بعد مقابلتها للمئات من الأمهات والأطفل في عملها كأخصائية نفسية، وتمنحنا خلاصة خبراتها في كتابٍ مفصّلٍ وموجز في الوقت نفسه.
في كل فصل من الفصول نجد قصةً لشخصيةٍ أو أكثر تشرح من خلالها طبيعة كل مشكلة وكيف يمكن التعامل معها.
ما الذي يولده الضغط والتوتر لدى الأمهات؟
في البداية، يشير الكتاب إلى أن شعورنا الطبيعي بالضغط يولد هرمونات مختلفة، فتثير استجابة الكرّ أو الفرّ أو التجمدّ كردّ فعلٍ في حالات الخطر مثلاً. إلا أن الضغط يولد ردّ فعلٍ آخرَ مميز لدى النساء بالذات، ألا وهو: التواصل والارتباط.
وبالنسبة لنا نحن الأمهات، فإننا نحتاج إلى الارتباط والتحدث مع غيرنا ممن يفهمنا (من الأمهات أمثالنا اللاتي لديهن أطفال من أعمار أبنائنا تحديداً) لكي نفرغ هذا الضغط ونتواصل بشأنه، ونعرف أننا لسنا وحدنا، ونساعد بعضنا في تدبر الضغوط، وفي تقديم المساعدة العملية الفعلية.
آثار تجنب الآخرين والامتناع عن التواصل
للأسف، فإن الواقع يقول إن الكثيرات منا يتحججن بالانشغال ويقللن من التواصل مع الصديقات المقربات، ما يفاقم من الضغط ويزيد من أعبائه وتبعاته عليهن، فيزداد الوضع سوءاً بدلاً من أن يتحسن.
المشكلة الأخرى التي يولدها هذا السلوك (تجنب الآخرين) هو أن أبناءنا وبناتنا يتعلمونه منا، فيقل تواصلهم مع أصدقائهم، وربما يجدون صعوبةً في تشكيل الصداقات، إذ إننا لا نشكل قدوة حسنة لهم في ذلك، وندور في حلقة مفرغة من التوتر مع أبنائنا أيضاً، فلا نحصل على الدعم اللازم من الصديقات أو الأهل نظراً "لانشغالنا"، رغم أن مساعدةً من هنا، واستماعاً من هناك، ومجالسة الأولاد بينما تقومين بأمر تحبينه، كلها أمور داعمة يمكن أن تتبادليها مع صديقاتك بحيث تساعد كل منكنّ الأخرى في التقليل من الاحتراق، ومن ثم التخفيف من الضغوط التي أوصلتكِ إليه.
ما هو دور الزوج؟
يتطرق الكتاب أيضاً إلى الأزواج واختلاف الأدوار التقليدية، ورغم أخذها بالاعتبار فإن المشكلة أكبر من ذلك، فطريقة تعامل الرجال مع الضغوط تختلف عن طريقة تعامل النساء معها، بالتالي إذا جربت اللجوء إلى زوجك فقط، فقد لا تجدين ما يرضيكِ بل ربما ما يزيد من إحباطك.
لذا من الأفضل أن تجعلي الحديث عما يضايقك والفضفضة بشأنه أمراً تشاركينه مع غيرك من النساء.
أما زوجك فشاركيه تفاصيل الخطوات العملية التي تحتاجينها منه للتقليل من الضغوط، ومن المؤكد أنه سيستجيب طالما أنه يريد أن يراكِ أفضل، مثل: تخصيص وقتٍ للأطفال مع أبيهم فقط مع تحديد الأنشطة التي يمكن القيام بها معهم، مساعدتكِ في أمرٍ محدد في المنزل، التسوق بدلاً منكِ في بعض المحلات إن أمكن... إلخ، حسبما تتفقان وتجدان أنه يناسبكما.
البحث عن الأفضل لأبنائنا
من الأمور اللافتة في الكتاب أيضاً تطرق الكاتبة إلى "السعي للأفضل لأبنائنا"، وفي ظل كثرة الخيارات اليوم، يصبح هذا الأمر وحده مصدراً للتوتر؛ فنحن نريد أفضل الملابس، وأفضل الحضانات، وأفضل المدارس، وأفضل برنامج تمرين رياضي.
وبينما نسعى ونبحث عن هذا الأفضل، نضيع الكثير من الوقت، ونحرق الكثير من الأعصاب، وربما تفوتنا مواعيد التسجيل ونحن ما نزال نبحث!
لذا، من الضروري أن نختار المناسب حسب معايير محدودة (وليس الأفضل بالضرورة) وننتظر حتى نرى ثمار ما اخترناه، وأن نتذكر أن كثرة الخيارات ترهق الدماغ وتؤثر فينا نفسياً وجسدياً أيضاً.
أمهات عاملات أم غير عاملات
تشير الكاتبة أيضاً إلى الشعور بعدم الرضا بين الأمهات غير العاملات حيث يعتقدن أن العمل أفضل، والأمهات العاملات حيث يعتقدن أن الأمهات اللاتي يجلسن في المنزل بحالٍ أفضل ولديهن وقت أكثر!
والأمر ليس صواباً أو خطأً مطلقاً، بل يتفاوت الأمر حسب ظروف كل أسرة وقِيَمها ورؤيتها، ومن المؤكد أن القرار الذي تختاره الأسرة هو الأكثر ملاءمةً لوضعها.
هنالك عدة مواضيع أخرى تطرق إليها الكتاب، منها: وسائل التواصل الاجتماعي وسيطرتها علينا، والعلاقة بالأمهات وبالحموات ومتى تكون صحية أو لا، والصعوبات التي تمر بها الأمهات اللاتي لديهن طفل ذو احتياجات خاصة، وكثرة الأعباء، وشعور الأطفال بالضغط وتطور المشكلات النفسية والسلوكية لديهم.
وفي النهاية، ومع سردها لبعض القوائم المرجعية لتحديد المشكلات وللحلول المقترحة، تؤكد المؤلفة أن الأساس هو الارتباط والتواصل بين الأمهات، وتشجعنا جميعاً على الحديث مع بعضنا وجهاً لوجه بشكل أكبر وبصورة دورية، وأن نبحث عن طرق لمشاركة بعضنا بعضاً، فأتمنى من قلبي أن نفعل ذلك بكل الحب دوماً.
إن استطعت العثور على الكتاب وقراءته فافعلي، وإلا فتذكري على الأقل أن تتواصلي مع الأمهات من حولكِ لتدعمن بعضكنّ، وهذا وقاية وعلاج في آن معاً.