العلاقات
معاملة الزوج الرفيعة لزوجته الحائض
جمعتني دورة بناشطتين في مجال المرأة، سألتني إحداهن إن كنت قد شاهدت برنامجاً أنكرت فيه الضيفة أحاديث نبوية روت تعاملاً غريباً من قبل النبي- صلى الله عليه وسلم- مع نسائه الحُيَّض، وأن هذا التعامل لا يليق بنبي وبالتالي فليس أمامنا إلا إنكار صحة هذه الأحاديث!
من هذه الأحاديث ما روته عائشة- رضي الله عنها- قالت: "كنت أشرب وأنا حائض ثم أناوله النبي- صلى الله عليه وسلم- فيضع فاه على موضع فِيَّ". أي يضع فمه مكان موضع فمها على الكأس.
قلت: هل في هذا ما يعيب تعامل النبي الراقي مع نسائه؟
قالت إحداهن: إن المتحدثة في البرنامج رأته نوعاً من الشذوذ لا يليق بنبي كريم.
قلت للفتاتين: لا حياء في طلب الحقيقة، ونحن نتحدث في موضوع يستثير حياء الشرقيات فعذراً لأنني سأكون صريحاً فيه.
سألتهما: كيف تكون الحالة النفسية للحائض والنفساء؟
أجمعتا بعد تردد بأن المرأة تكون في حالة صحية مزعجة وفي حالة نفسية مضطربة وأحياناً تصاب بالكآبة ويصحبها شعور ملازم بالتقزز.
قلت: إذاً فالمرأة خلال فترة الدورة الشهرية تكون في أشد الحاجة للعون النفسي والمواساة، والشعور بأنها كينونة إنسانية راقية حتى لو اعتراها هذا العارض الصحي الذي لا تملك له دفعًا.
وتحب ممن حولها، ولا سيما زوجها، أن يُشعرها بأنه يحبها ويقدّرها حتى لو أنه لا يحظى بالمتعة الجنسية الكاملة معها. لكن، ماذا لو وقع لها العكس أقصد أن يستقذرها زوجها؟!
قالتا: كلامك صحيح، وسؤالك في محله.
قلت: إذاً وكيف ترى هذه المرأة أن تلاطف الرسول مع نسائه الحُيَّض شبق لا يليق بمقام النبوة مع أنه من أرقى أنواع الاهتمام والرعاية للمرأة في حالتها تلك؟!
تابعت فقلت: تلك الأحاديث كلها صحيحة، وعندما نفهم سياقها التشريعي والبيئي نعرف أي مكارم للأخلاق جاء يعلمنا إياها رسول الإنسانية صلى الله عليه وسلم.
إن التوجيه النبوي والتعامل العملي الذي مارسه مع نسائه الحُيَّض يرفع من قدر المرأة ويجعلها كينونة إنسانية راقية وليست أداة جنسية توضع على الرف إذا حاضت.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن الرسول- صلى الله عليه وسلم- كان يُعلِّم مجتمع المدينة المنورة من الأنصار الذين ساكنوا اليهود عقوداً فتأثروا بهم كونهم أهل كتاب، نعرف أنه كان يجتث قبائح اليهود من جذورها؛ فمن المعلوم أن اليهود يتشددون في وجوب اعتزال الحائض خلال فترة الدورة الشهرية ، ويعتبرون أن من مَسَّها يصير نجساً، ويحرِّمون الأكل من طعام تصنعه.
فماذا صنع الإسلام لهذه الحالة؟ وكيف علمنا المبعوث رحمة للعالمين التصرف في هذه القضية الاجتماعية الحساسة والمتكررة؟ إن الحكم الشرعي واضح بتحريم المعاشرة الجنسية بين الرجل وزوجته وهي حائض، لما في ذلك من أذىً للطرفين وقد ثبت علميا ضرر ذلك.
لكن الآية بشكل واضح والسنة بشكل أوضح بينا أن الاعتزال إنما يكون لموضع الدم فقط دون غيره، وبَيَّن الرسول للرجال أنه من الجائز أن يعاشروا زوجاتهن دون الجماع، وطبَّق ذلك عملياً؛ تقول عائشة: "كانت إحدانا -أي أزواجه- إذا كانت حائضاً أمَرَها رسول الله عليه الصلاة والسلام أن تأتزر بإزار ثم يُبَاشرها". وكان عليه الصلاة والسلام يُقَبِّل زوجته الحائض إشعاراً لها بمودته وقربها من قلبه في كل أحوالها.
ما الذي حمل الرسول صلى الله عليه وسلم أن يفعل ذلك مع زوجته الحائض مع أن نساءه الأخريات لم يكن في حيض؟! لماذا لم يعتزل الحائض ويذهب لغيرها؟! إنه يريد أن يوصل رسالة لها بأنها رغم حيضها مرغوب فيها محبوبة عنده مقدرة مكرَّمة.
بل إنه ذهب أبعد من ذلك عندما كان يحرص على إثبات أنها كينونة طاهرة حتى لو مرت بالحيض وأن المؤمن لا ينجس وأنها رفيعة القدر عنده وعند الله؛ تقول عائشة: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكئ في حجري وأنا حائض فيقرأ القرآن"، وتقول أم سلمة رضي الله عنها: "بينما أنا مع النبي في الخميلة (يعني الفراش) إذ حِضْتُ فانسللت (أي: خرجت) منها وأخذت ثياب حيضتي فلبستها، فقال لي رسول الله: أَنُفِسْتِ؟ فقلت: نعم. فدعاني فأدخلني معه في الخميلة".
بالله عليكم هل هناك أرقى وأكرم من تعامل خير البشرية ومن تعاليمه المتصلة بالمرأة الحائض؟