العلاقات
أين القصص الإيجابية عن الزواج؟
كنت أتحدث مع زوجي عن منشور بلا اسم قرأته في إحدى المجموعات عن زوجة تشتكي من تصرف معين من زوجها، فقال لي: ترى إن كانت معظم القصص والحكايات التي يسمعها المرء من هذا النوع، وعن مشكلات الزواج وعدم التوافق فيه، فما الذي يتوقعه المرء من الزواج؟ فتوقفت لأفكر قليلاً في كلامه.. ما الذي يشكل وجهة نظرنا عن الزواج؟ وما الذي يجعلنا نقبل عليه أو نحجم عنه؟ ما الذي يجعلنا ندرك حتى أن علاقة زوجية ما علاقة سعيدة أم تعيسة؟
أولاً: علاقة الوالدين ببعضهما
لعل من نافل القول أن نقول إن العلاقة الأولى التي شهدناها في طفولتنا هي علاقة والدَينا ببعضهما بعضاً، سواء كانت سوية يشوبها الود والاحترام، أو يتخللها توتر دائم وشجار مستمر، أو ربما حتى علاقة إساءة نفسية وجسمية وغير ذلك. هذا كله يشكل تصوراتنا وتوقعاتنا من الزواج، ويساهم في تقييمنا لمدى ارتياحنا للزواج.
وللأسف، فإن من ينشأ في بيئة يكون الخلاف والإساءة بين الزوجين أساسها، فلربما يحجم عن الزواج، وإن تزوج فربما يتوقع الأسوأ، وفوق ذلك: إذا واجه الأسوأ في علاقته الزوجية فسيرى ذلك الوضع هو الطبيعي المألوف الذي نشأ عليه، وليس على أنه مشكلة تحتاج إلى العلاج أو الانفصال حفاظاً على السواء النفسي للذات وللأبناء. فما الذي نرسمه الآن لأبنائنا؟ وما الذي يتوقعونه مستقبلاً؟
ثانياً: الأفلام والمسلسلات
للأسف، فإن معظم الأفلام والمسلسلات تصور المتزوجين إما بصورة كوميدية مفعمة بالخلاف أو التعب أو الشقاء، أو تصور الخيانات وتقبلها كجزء من "الرقيّ"، أو تأتي "الحكمة" بأن الزواج شر لا بد منه. بل وربما تصور أحياناً أن السلوك غير السوي هو الطبيعي وعليك تقبل ذلك بل والموافقة عليه!
وبما أن كثيراً من المسلسلات العربية تهوى تقليد الأجنبية بلا داعٍ، فإنها تقتبس منها هذا كله، فيصبح الحب هو القيمة السامية، حلالاً كان أو يقود إلى المعصية، وليس علاقة الزواج نفسها كرباط شرعي يجمع بين الزوجين للشعور بالسكينة والأمان معاً وإعانة بعضهما على الاستمرار، أو الطلاق أو الخلع بمعروف لو لم يكن الحال على ما يرام.
ولكثرة دس السم في العسل، فإن تجنب هذا كله أفضل للنفس وأكثر راحة وعودةً إلى الفطرة التي تستحسن الطيب وتشميز من الإساءة.
ثالثاً: قصص الأصدقاء
وهنا نأتي إلى المحيط الاجتماعي من الأقارب أو الأصحاب أو زملاء العمل. كثير منهم يشكو من تعبه والمتطلبات والمسؤوليات التي تقع على عاتقه حتى لو كان سعيداً في زواجه، ولا يذكر كم يقدّر نعمة وجود الزوجة في حياته ونعمة الأبناء الذين يملؤون حياته بالفرح واللعب والضحك.
هذا لو كان الشخص سعيداً، فما بالك بالمتذمر الذي يتضايق من ضحك أولاده باستمرار ويريدهم تماثيل لا تتحرك ولا تصدر صوتاً لمجرد أن يقوم بما يريد به هو وحده، وينسى أن هذا لا ينطبق على أي موقف اجتماعي في الدنيا: فمع أهلك تتفاعل معهم، ومع أصدقائك أيضاً، ولا بد من التفاعل حتى مع الأغراب في الشارع بالسلام أو المساعدة عند الحاجة. ويأتي لزوجته وأبنائه ويطالبهم بالصمت المطبق، ويكيل عليهم الشتائم في المنزل وأمام الناس، فما الذي يبنيه مثل هذا الشخص في نفوس أبنائه؟ وكيف سيرون أنفسهم؟ كيف سيرون العالم من حولهم؟ وكيف سيتحدثون عن الزواج بدورهم وتكون علاقاتهم مستقبلاً بأزواجهم؟
رابعاً: السعداء قليلاً ما يشاركون امتنانهم
للأسف، شاهدت بأم عيني سيدة أعلم أنها سعيدة في زواجها تشتكي من زوجها مع نساء أخريات يشتكين من أزواجهن وهنّ فعلاً متعبات، ولا أدري إن كان ذلك نوعاً من التعاطف لتخبرهن أنهن لسن وحدهنّ، أو نوعاً من ضغط الأقران لتذكر موقف نادر متعب من الزوج لمشاركته في جلسة الشكوى! لكننا نفتقر حقاً إلى من تقول: "الحمد لله على نعمة الزواج وعلى زوجي الذي يقدرني ويصونني ولا يقصر معي أبداً وإن تضايقت منه لسبب ما سرعان ما يعتذر ويصالحني"، وإلى زوجٍ يقول: "لولا زوجتي لما وصلت إلى ما وصلت إليه الآن؛ فدعمها المستمر وتشجيعها، ومراعاتها لي وللأولاد في المنزل أمور لا تقدر بثمن." وربما يشارك بعض الأشخاص المسرورين بحياتهم الزوجية أحياناً صوراً على مواقع التواصل الاجتماعي، وربما يتحدثون بامتنان عن أزواجهم، لكن هؤلاء هم القلة.
وللأسف فإن كثيراً من الأشخاص ربما يرون ذلك "نفاقاً ودلالة على عدم السعادة فيقومون بتمثيلها". ربما يكون ذلك صحيحاً في بعض الأحيان ولكن افتراضه مباشرةً مشكلة لدى من يفترض ذلك، وتستدعي التفكر والنظر.
أتمنى أن نتحدث أكثر عن امتناننا للأشياء الصغيرة والكبيرة في علاقاتنا مع أزواجنا، وأن نميت السيئ من القول والفعل بهجره واستنكاره. فكم من مرة أوقفت حواراً ساخراً أو سباباً، أو علقت بتعليق على كاريكاتير يسخر من علاقة الزوجين أو العلاقة بالأبناء بأن هذا يقلل من قيمة هذه العلاقات الأسرية، ويجعل الإنسان ينظر إليها بهذا المنظور.
رفقاً ببعضنا بعضاً وبأبنائنا، ولنكن أكثر امتناناً ولننشر هذا الامتنان مع من حولنا.