التقييم والتشخيص
تشخيص اضطراب التوحد: العلامات، التقييم، وأهمية التدخل المبكر

كتبت في المقال السابق عن التوحد، وتحدثنا عن العلامات المبكرة لهذا الاضطراب وعن أهمية الحصول على مساعدة المختصين في مرحلة مبكرة عند الشك بإصابة الطفل به. في هذا المقال، أود التحدث عن عملية التشخيص، وسأتحدث عما أتبعه أنا شخصياً في عيادتي، وهو ما يتوافق مع الارشادات الطبية المتبعة في الولايات المتحدة وبريطانيا.
من خبرتي في العمل في هذا المجال، تبين لي أنه في بعض الأحيان، يقرأ الأهل أو الأخصائيون عن التوحد ويأتون للسؤال عنه. وفي أحيان أخرى، يشعر الأهالي بالقلق تجاه صعوبات عامة تواجه طفلهم في التواصل، أو قد يلاحظون سلوكيات غريبة ومقلقة لا يستطيعون تفسيرها.
يتم تشخيص التوحد من قبل أخصائي (إما طبيب أو أخصائي نفسي) لديه أو لديها خبرة في مجال نمو وتطور الطفل، ولديه/ا القدرة على تمييز ما هو عادي وما هو مختلف عن ذلك.
يتم تشخيص الطفل بالتوحد إذا طابق معايير التشخيص الموضوعة من قبل المنظمات العالمية مثل الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين أو منظمة الصحة العالمية، ويتم الوصول إلى التشخيص عن طريق:
الحصول على تاريخ أو سيرة الطفل.
المعاينة والتقييم، لملاحظة وجود صعوبات معينة في التواصل وملاحظة وجود بعض السلوكيات المعينة.
استبعاد الاضطرابات الأخرى التي قد تظهر أعراض مشابهة لتلك المرتبطة بالتوحد (مثال: الإهمال الشديد، والصعوبات المرتبطة بالسمع والنظر، وبعض اضطرابات القلق)
تاريخ وسيرة الطفل
إن أول مهمة في رحلة التشخيص هي مقابلة أهل الطفل أو غيرهم من مقدمي الرعاية للحصول على كل التفاصيل الممكنة عن مخاوفهم، فأقوم بالسؤال عن تطور الطفل (مثلاً: كيف يتحدث ويتواصل ويفكر ويفهم، وكيف يستعمل يديه وكيف يمشي، وغيرها)، كما أسأل عن التفاصيل الخاصة بسلوكه.
من المفيد أيضاً الحصول على معلومات من مهنيين آخرين ممن يعرفون الطفل (مثال: العاملون في الحضانات، أو المعلمون، أو أخصائيو العلاج الوظيفي وعلاج النطق) من أجل الحصول على منظور إضافي.
من المهم أيضاً التعرف على عائلة الطفل بشكل أفضل، حيث أن تطور الطفل وسلوكه يتأثران بشكل كبير بالعائلة والبيئة الاجتماعية المحيطة، فمن المهم معرفة نقاط القوة في العائلة بالإضافة إلى الصعوبات التي تواجهها والتعرف على مصادر الضغط النفسي.
بصفتي طبيباً، أقوم أيضاً بأخذ الوقت للسؤال عن صحة الطفل منذ حمل الأم وحتى الحالة الصحية الراهنة.
في بعض الأحيان، يقرأ الأهل عن التوحد ويأتون للسؤال عنه. وفي أحيان أخرى، يشعرون بالقلق تجاه صعوبات عامة تواجه طفلهم في التواصل، أو قد يلاحظون سلوكيات غريبة ومقلقة لا يستطيعون تفسيرها.
المعاينة والتقييم
بعد الحصول على السيرة المرضية بشكل مفصل، أنتقل إلى مرحلة التقييم.
إن تقييم الطفل الذي يعاني من صعوبات في التواصل ليس سهلاً دائماً حيث قد لا يكون الطفل متعاوناً، لذا فإن الصبر والتعامل بحساسية مطلوب في معظم الأحيان، وقد يستغرق التقييم عدة زيارات. إن الهدف من التقييم هو الحصول على فكرة واضحة عن مهارات التواصل لدى الطفل (والتي تتضمن استعمال النطق، واستعمال الإيماءات، واللعب، واهتمام الطفل بالتواصل مع الآخرين بشكل عام).
بالإضافة إلى معاينتي الخاصة، أقوم بالاعتماد أيضاً على ملاحظات المهنيين الآخرين ممن يرون الطفل في أوضاع طبيعية (في المدرسة مع الأطفال الآخرين).
من المهم أيضاً، وكجزء من التقييم الكلي، الحصول على فكرة عامة عن قدرات الطفل الذهنية (مثل كيف يستوعب المعلومات، والذاكرة، والأحاجي، وكيفية استعمال اليدين، ومستوى الاستقلالية).
إن تشخيص التوحد هو بداية الطريق للعديد من العائلات. إن الخطوات التالية الأهم تتضمن الحديث عن أسباب الاضطراب المحتملة، ومن ثم الحديث عن التدخلات الطبية والتعليمية اللازمة.
سنتحدث عن هذه المواضيع في المقالات القادمة.