الأطفال ما قبل المدرسة 4-5 سنة
هل حقاً يمكنك تنمية ذكاء طفلك أم أنه أمر وراثي بحت!؟
الأطفال هم زينة الحياة الدنيا يجلبون إليها البهجة منذ أول يوم يأتون فيه إلى الحياة، ووجودهم يبعث الفرح والسرور في قلوب كل الناس وليس فقط لأهاليهم، وتكون أول مرحلة من مراحل طفولتهم مليئة بالحكايات والمغامرات التي تغمر أفراد الأسرة وتشغل بالهم وتفكيرهم، فما يميّز الأطفال عن بعضهم ليس السمات الخَلقية وحسب، ولكن طريقة لعبهم وحركاتهم وتصرفاتهم الطائشة التي قد تبدو عشوائية فنجد طفلاً يعرف كلّ شيء عن السيارات وآخر يحفظ كلّ ما يسمعه ويراه، وطفلة تقلّد كلّ امرأة تعرفها ولها مهارات تمثيلية عالية.. إنّ هذه المميزات ترجع إلى ذكاء كلّ طفل وقدراته العقلية التي تبدأ بالنمو منذ ولادته وتتجسد في تصرفاته، وتختلف هذه القدرات حسب المحيط الذي يعيش فيه الطفل وحسب الرعاية التي يقدّمها أهله له، ولكن السؤال هو هل بإمكاننا أن ننمي ذكاء أطفالنا؟
نسمع كثيراً عن قدرات الأطفال الخارقة كالطفل الذي يمكنه الحساب بسرعة خيالية أو استخدام الحاسوب في سن مبكّرة جداً وغيرها من المهارات التي يعجز الأغلب عن القيام بها دون الخضوع لتمارين مكثّفة وتدريبات صارمة، وفي حين تملئنا الدهشة من قدرات طفل صغير لا يتعدى الخمس سنوات ونراه يجيد عمل لا نستطيع القيام به ببساطة يضعنا هذا الموقف أمام سؤال محيّر، هل وُلد هذا الطفل بهذه الفطنة والقدرة العالية؟ هل ورث قدرته وذكائه عن والديه وأجداده؟ إذا كان الجواب هو نعم، إذاً فليستسلم الجميع فالذكاء شيء وراثي ولا يمكن لشخص تغيير ذاته وتحسين قدراته وكلٌ سيبقى على حاله.
ولكن إن قرأنا عن حياة العلماء والعظماء والناس الذين عرفوا بنجاحاتهم في حياتهم وأصبحوا قدوة للنجاح وتحقيق الأحلام، نجد أنّ ليس لأهاليهم صفات الذكاء الخارقة والعبقريّة الفائقة التي يمتلكونها، فيمكن أن نجد مهندساً يكون ابناً لفلّاح ولاعباً مشهوراً ابناً لطبّاخ ورسّاماً عظيماً ابناً لتاجر بسيط، ومنهم من كبُرَ يتيماً دون أن يعرف أهله، فمن هنا نضع موضوع الوراثة جانباً، فأغلب الناجحين والمتفوقين في العالم تطوّرَ ذكاؤهم ونمت قدراتهم العقلية مع مرور الأوقات ولم يولد الذكاء معهم يوم قدومهم للحياة.
إذن نستنتج من هذا أن الذكاء يمكن تنميته وهو وراثي بدرجة ما، ولكن يعتمد بشكل أكبر على البيئة.
وعلى الآباء والأمهات أن يكونوا حريصين على التركيز على تنمية الذكاء في المرحلة الأولى، أي منذ الولادة وحتى عمر الخمس سنوات وذلك لأن هذه الفترة تأسيسية للطفل وتحمل أهمية كبيرة، فمن خلال عملي كاختصاصية نفسية مع الأطفال وجدت أنّ آبائهم وأمهاتهم يهملون هذه الفترة ويبدؤون فقط بالاهتمام بأطفالهم عند دخولهم المدرسة حينها يتفاجؤون بوجود صعوبات تعلّم لدى أطفالهم، أو مشكلات تواجههم في تلقي التعليم.
يمكن للآباء والأمهات تفادي المشكلات اللاحقة في التعلم التي قد تواجه أطفالهم بالتركيز معهم في هذه المرحلة الأولى من الطفولة والتي تعتبر حساسة جداً ومصيرية.
وبتركيزهم مع أطفالهم في هذه المرحلة المبكّرة يمكنهم تفادي المشكلات اللاحقة التي قد تواجههم في التعلّم إضافة لمساعدتهم في إبراز قدراتهم العقلية وتنميتها بشكل أكبر عند دخولهم المدرسة، فلهذه المرحلة أهميتها القصوى وهي الاستعداد للتعلم الأكاديمي ولكل مهارات الحياة التالية.
فالذكاء هو قدرة الفرد على الاستنتاج والتخطيط وحل المشكلات وتنسيق الأفكار والتفكير بتجرد، هو أيضاً يتمثّل في سرعة التعلّم والحفظ، و القدرة على التأقلم مع الظروف المحيطة مهما كانت، وكلما زادت "نسبة الذكاء" ازدادت معها قدرة الفرد على القيام بما سبق، ويختلف تعريف "الذكاء" تبعاً للبيئة فمثلاً في المدرسة الطالب "الأذكى" هو الأكثر تفوقاً، وفي العمل هو الموظف الأكثر تميزاً فيما يقدّمه لعمله وفي الرياضة كان مارادونا أسطورة "الذكاء" حيث كان يستطيع التنبؤ بحركات الفريق الخصم، وبالرغم من أنّ "الذكاء" شيء فطري ويُكتسب بالوراثة لكن ذلك لا يعني أننا لا نستطيع تنميته!
ووجد من خلال الدراسات المختلفة أنّ الذكاء ليس موروثاً، ولكنه يعتمد على الظروف البيئية في المنزل والمدرسة.
وفي دراسة أجريت عام 1938 وقامت بالتركيز على أطفال التبنّي وأطفال الإيواء، أثبتت حدوث ارتفاع لا بأس به في نسبة ذكاء الأطفال الذين نُقلوا من الملاجئ، وجرت تربيتهم في منازل أفضل، وقُدّرت التأثيرات الناتجة عن البيئة بحوالي 10-20 نقطة زيادة في نسب الذكاء.
إنّ الذكاء لا ينمو في فراغ حيث إنّ الدرجة التي يمكننا الوصول إليها في الذكاء والنمو العقلي تعتمد على الإثارة المناسبة من البيئة الفيزيقية والاجتماعية التي يُربّى فيها الطفل، ويمكننا تمثيل الذكاء ببذرة النبات فلكي نحصل على نبات يافع لا نحتاج إلى بذور جيدة فحسب، ولكن نحتاج أيضاً إلى ظروف بيئية مثل الرطوبة والضوء والدفء والتغذية الصحيحة.
أي أنّ الذكاء هو ناتج التفاعل بين الإمكانيات الوراثية والإثارة البيئية سواء كانت هذه العوامل تساعد على النمو أو تعوقه.
إنّ الذكاء ليس أمراً جينياً وراثياً ثابتاً لا نستطيع تغييره مثل لون العينين أو الشعر، حتى ذلك لم يعد مستحيلاً، حيث يمكنك تغييرهما وبسهولة أيضاً، كذلك الذكاء يمكنك زيادته بخطوات وطرق بسيطة، ولكنها تحتاج إلى جد واجتهاد لا متناهيين. فالذكاء مفتاحك للنجاح في كافة مراحل حياتك، والنجاح هو مفتاحك للذكاء في الوقت ذاته.