الأعياد
ما زلت أرى العيد وجماله بعيون أمي
بقلم: لين مخيمر، من فريق أمهات360
عندما أتحدث عن العيد وطقوسه وحضوره الآن في نفسي.. أرى وجه أمي!
الأعياد كانت ولا زالت مرتبطة بها وببيتها وبخروجها إلى السوق مدة أسبوعين أو أكثر باحثةً عن لبسة العيد الأجمل لنا ولها ولوالدي..
وصوت التكبيرات وتلبية الحجيج وهي تبثها على شاشة التلفاز ملء أسماعنا، لنواكب مع الحجاج شعائرهم وهم يأتون من كل فج عميق ويطوفون ويسعون ثم يصعدون إلى عرفات متجردين من كل ما هو أرضي طلباً لكل ما هو علوي..
في صورة وجلة مهيبة على اختلاف أطيافهم وأجناسهم توحدهم كلمة الله العليا ويجتمعون على أداء مناسكه والاستسلام له وحده عز وجل.
ولا أنسى بريق عينيها وهي تترك ما في يديها فقط لتراقب نفرة الحجيج من صعيد عرفات إلى مزدلفة.. "لين ماما.. تعالي شوفي بسرعة بلشت النفرة"
نعم.. كنا منذ صغرنا نعيش الحج بكل تفاصيله ومناسكه.. فنستشعر باكراً بهجة العيد واختلاف هذه الأيام عما سواها..
أيضاً رائحة الكعك حين تفوح في كل ناحية من منزلنا معلنة قدوم زائرنا السعيد البهيج.. وصوت أم كلثوم حين يأتي.." القلب يعشق كل جميل.. وياما شفت جمال يا عين" فيمتزج برائحة الخبيز ليترك في نفوسنا أثراً من نوع خاص محبب يجعلنا ننتظر هذه الأيام كل عام بفارغ الحب واللهفة..
"مكة وفيها جبال النور.. طالة على البيت المعمور
دخلنا باب السلام.. غمر قلوبنا السلام"
وتستمر هذه الأنغام والأصوات والروائح تتمازج وتتصاعد داخل أرواحنا وتبث فيها وفي بيتنا حياة جديدة.. دماءً جديدة.. إحساساً بالسلام والاستسلام والطاعة..
في ذاكرتي صور كثيرة عن شكل العيد وكيف يجب للمنازل أن تحتفي به وبقدومه.. هذه الصور صنعها لي والداي والآن بعد أن صرت أماً أحاول أن أستعير أسلوبهما وطريقتهما المميزة في الاحتفال.. أن أورث طفلي ذكريات تعيش معه ويعيش معها أبد العمر.. أن أعلمه معاني العيد ومقاصده ومناسك دينه وتعاليم كتابه..
أريد له أن يكون مسلماً مؤمناً بالمعنى الكامل.. أن يفهم ويعي قوله تعالى: "ذلك ومن يُعظِّم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب".
***
صورة من الذاكرة..
في واحد من الأعياد بينما كنت طفلة.. نمت ليلة العيد -وكم هي طويلة ليلة العيد بالنسبة للأطفال- فتحت عيوني.. نظرت إلى السقف.. كان هناك الكثير من البالونات تتدلى منه.. وكأنه يمطر علي أنا وإخوتي أعداداً من البالونات الملونة.. لن أنسى هذا المشهد الزاهي الملون طيلة حياتي.. أراه كما لو أنه يحدث الآن.. صورة طبعت في ذاكرتي استحضرها كل عيد..
كنت أتخيل شكل والداي وهما يتسللان إلى غرفتنا دون أن نشعر ويضعان كل هذا الجمال في سقفها.. ليكون أول ما ننظر إليه عندما نستيقظ!
نعم، زينة العيد كانت شيئاً أساسياً.. لا يمكن التساهل فيه أو التنازل عنه!
وإلا كيف سيميز طفل أن هذا اليوم هو تحديداً يوم العيد؟!
***
مازلت أحب الأعياد وأهيئ بيتي ونفسي وعائلتي لاستقبالها كما كنت أستقبلها في بيت والداي..
وهذه مجموعة من النصائح أو اللفتات البسيطة لتحظوا بعيد مدهش وذكريات جميلة يحملها أطفالكم معهم طوال حياتهم:
- عرفوا أطفالكم بالحج ومناسكه، ارووا لهم قصصاً عن الحج واقرؤوا لهم من آيات القرآن ما هو متعلق به، تحدثوا لهم عن قصة إسماعيل وأبيه إبراهيم عليهما السلام ليفهموا فكرة ذبح الأضاحي في هذه الأيام المباركة، واشرحوا لهم مناسك الحج بطرق لطيفة.
- عظموا شعائر الله، ففرحة العيد والاحتفاء به هي تعظيم لشعائر الله قبل أي شيء، وهذا لا يقلل من إحساسنا بما يدور من حولنا في مجتمعنا العربي والإسلامي من حروب ومآسي وانكسارات ومخيمات لجوء.
- اصنعوا كعك العيد، من أهم طقوس العيد هو تجهيز كعك العيد وخبزه في المنزل، ولو كانت الكمية قليلة بعض الشيء المهم أن يمتلئ المنزل برائحة الكعك الشهية.
ثم جهزي ركناً في المنزل لضيافة العيد، ضعي فيها فناجين القهوة السادة والشوكولاتة والكعك الذي صنعته بيديك بأناقة وحب.
- احرصوا على شراء ملابس العيد، وهذا يشمل الكبير والصغير على السواء حسب القدرة والإمكانية، لكن احرصوا على أن يظهر جميع أفراد العائلة بحلة جديدة، بما في ذلك الأمهات اللاتي قد يهملن أنفسهن من باب التضحية من أجل أبنائهن أو لاعتقادهن أنهن قد كبرن على شراء ملابس العيد!
لذا، عودي نفسك على شراء ملابس جديدة كل عيد.. فهذا لا يجدد النفسية فحسب وإنما سيشعر أبناءك بالفخر والسعادة أكثر عندما يرون والدتهم تشاركهم بهجة العيد والتحضيرات له.
- علقوا الزينة، كما قلت الزينة أمر ضروري في الأعياد، فهي حلة العيد وحضوره في المنزل.. وإذا كان لديك أطفال صغار فيصبح وضعها في المنزل لازماً.. إذ لابد من وجود علامة فارقة تميز أيام العيد عن غيرها!
أحضري البالونات والشبر وعبارات التهنئة والهدايا وكل ما يمكن أن يكون سبباً في إدخال السعادة إلى قلوب أطفالك، واطلبوا منهم أن يساعدوكم في تعليقها إذا كانوا في عمر أكبر.
- اذهبوا إلى صلاة العيد، لا تفوتوا صلاة العيد فهي فاتحة العيد وأول هداياه، اذهبوا مع أطفالكم وصلوا في الهواء الطلق لتستشعروا بهجة العيد وقدسيته وبركاته منذ أول النهار.
- وزِّعوا العيديات، نعم لا تبخلوا بالعيديات مهما كلف الأمر ومهما كانت قيمتها زادت أو قلت، فالفكرة بالعطاء وإسعاد الصغار، أما الأهل فيستطيعون أن ينموا إحساس أبنائهم بأهمية النقود عن طريق العيديات فيستطيع الطفل أن يتصرف بالمال حسب ما يملك فقط، فيتعلم معاني الاقتصاد والتوفير.
كما يمكن لبعض الأهالي أن يفتحوا حسابات توفير بنكية لأطفالهم يوفرون فيها عيدياتهم ومن مصروفهم أيضاً للأيام القادمة.
- صلوا أرحامكم وزوروا أقرباءكم بحب، يرتبط مفهوم العيد لدينا بتكاليفه الاجتماعية من زيارات خاطفة يقوم بها الأقارب لبعضهم البعض، والتي قد تشكل في بعض الأحيان عبئاً على البعض!
لكن إذا قمتم بها بحب وإقبال ستجدون فيها الكثير من المتعة والألفة والحب.. تصرفوا بإيجابية في هذه الأيام فكلها ذكريات في رصيد أبنائكم.