رمضان
رمضان هذا العام كان مختلفاً مع عائلتي
قلت لضيفي ونحن نسير إلى المسجد لأداء صلاة العشاء: ما رأيك أن نصلي صلاة التراويح في البيت؟!
لم يستحسن ضيفي الفكرة وقال: ستشغلنا أحاديث السمر والحلويات عن أدائها، وإذا صليناها فإن الأطفال سيشوشون علينا.
قلت: إن صلاة السنن والنوافل في البيت أمر مستحب لنا، رغب إليه نبينا صلى الله عليه وسلم فقال: "إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيباً من صلاته فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيراً".
وأردفت بقولي: صلاة الرجل النافلة في بيته سبب لتنزّل الرحمات والبركات، وتذكير عملي لزوجته وأطفاله بالصلاة.
قال ضيفي هادىء الطباع: لا بأس، نجرِّب.
ولدى دخولنا البيت عرضت علي زوجتي ومن عندها من النساء أن يأتموا وأطفالهم إن شاؤوا بصلاتي، وحتى لا يطول الأمر فقد اصطففت أنا وضيفي وشرعنا في الصلاة.
في الركعة الأولى لم يكن الأمر مريحاً بسبب الجلبة التي يحدثها تسعة من الأطفال، فقلت لنفسي سيشمت بي صاحبي!! ولكني أحمد الله تعالى، فما إن نهضنا للركعة الثانية حتى اصطفت خلفنا النسوة وبعض الأطفال ممن تجاوزوا السابعة فهدأت الأمور نسبياً، ومع كل ركعة وما تتضمنه من تلاوة ودعاء وتسبيح كانت تتحسن الأمور على نحو طيب كما كنت أرجو.
وبعد أن قضينا شطراً من صلاة التراويح تحدَّثت مذكراً الحضور بمعاني بعض الآيات الكريمة التي تلوت والتي كانت تدور عن الروح والحياة الحقيقية في الوحي الإلهي فهو بالنسبة لقلوب البشر المتعبة كالغيث بالنسبة للأرض الميتة، وقادنا الحديث لأسئلة وجودية كبرى طرحها بعض الأطفال النبهاء فكان نقاشاً مثمراً وعلماً نافعاً هدانا الله إليه ببركة القرآن الكريم.
ولما عدنا لإكمال صلاتنا ومع كل تلاوة لفاتحة الكتاب كانت طفلتي التي لم تبلغ الرابعة ترددها بصوتٍ ولا أجمل منه، فنزل على قلبي من السرور ما الله به عليم، سلمت من الركعتين والتفت خلفي فإذا بها تقف معنا في الصلاة فعانقتها وأثنيت على تلاوتها، وحمدت الله تعالى على توفيقه فبصلاتنا صلى كل من في البيت حتى من لا تجب في حقهم صلاة، ونظرت إلى ضيفي وقد تهلل وجهه، وقال: تعرف.. أولادي لأول مرة يقفون بهدوء وتؤدة في صلاة. قلت له: ألم يعدنا الصادق الصدوق بأن الرجل إذا صلى في بيته النافلة "فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيراً".
لقد كانت ليلة موفقة، فطعام الإفطار الذي تعبت زوجتي في إعداد أصنافه لاقى استحسان ضيوفنا، لكن الأحب منه كان اجتماعنا معهم على هذه الصلاة المباركة وشعورنا جميعاً بتنزل السكينة والبركة.
قررت أن أصلي التراويح كل ليلة في البيت لعل سلام وبركات ليالي شهر رمضان تتنزل علينا، ولعلي استمع مجدداً لتلاوة طفلتي سما.