رمضان
ماهي عادة الشعبنة التي يشتهر بها أهل الحجاز؟
تعد الشعبنة إحدى العادات المجتمعية الجميلة التي اختص بها أهل مكة منذ القدم، وانتشرت مؤخراً في مدن أخرى بالمملكة، وهي عادة قديمة تحتفل فيها الأسر بقرب شهر رمضان ويقومون فيها بتوديع الفطر استعداداً للصيام، وتقام الشعبنة ما بعد منتصف شهر شعبان بالأغلب في العشر الأواخر من الشهر، تجتمع فيها الأسرة والأصدقاء على وليمة ويتسامرون حتى ساعات متأخرة من الليل.
تاريخ الاحتفال بالشعبنة:
تحدث ابن جبير وابن بطوطة في كتبهم عن أهل مكة والمدينة وكيف كانوا يحتفلون بقدوم بعض الشهور مثل شهر رمضان، فقد كتب ابن جبير عما شهده من احتفالات أهل مكة بقدوم رمضان عام 579 /1183 وكان ذلك في أواخر عهد الفاطميين وبداية عهد الأيوبيين، وقد ذكر أن القناديل والشموع تضاء، وتجتمع الأهالي على ولائم ويرتدون أجمل الحلي واللباس، واستمر الاحتفال بقدوم رمضان إلى العهد المملوكي.
الشعبنة بين الماضي والحاضر:
اعتاد أهالي مكة والمدينة قديماً أن يتجمعوا في أواخر شهر شعبان في إحدى البيوت أو الخروج إلى ضواحي مكة التي كانت تتميز بالبساتين الجميلة ومن أشهر تلك المناطق هي الحسينية والكعكية في جنوب مكة والعابدية في شرقها الجنوبي، والزيمة في شرقها الشمالي، وكانوا يتنزهون في المنطقة ويمارسون بعض الألعاب ويقومون بتحضير الأكلات الشعبية التي يتميز بها المطبخ المكي، وكان الرجال يخرجون في مجموعات إلى شاطئ البحر في المساء، وكانوا يقصدون جزيرة بالقرب من جنوب مدينة جدة ليقيموا ولائم الغداء والعشاء على أنغام «الصهبة» التي تعد من الفلكلور الحجازي والذي يعتمد على طبلتين صغيرتين تضرب بعصي شبيهة بالسواك يتم من خلالها ترديد أغان شعبية، وكانت حياتهم آنذاك تتميز بالبساطة.
اختلف الاحتفال بمناسبة الشعبنة حديثاً في بعض التفاصيل، فأصبح الاحتفال بها أكثر تبهرجاً، فتقوم العائلة باستئجار استراحة مخصصة للاحتفال والقيام بتزيينها بالمصابيح والزينة الرمضانية، وتقوم النساء بارتداء أجمل الحلي والجلابيات وكذلك الأطفال، والبعض يقوم بإحضار سيدة تقوم بنقش الحناء، كما يتم تجهيز وليمة متنوعة بالأكلات الشعبية الحجازية المختلفة، والتجمع وتبادل الأحاديث بخصوص تجهيزات رمضان وتشجيع الأطفال على الصيام والقيام بالعبادات، كما تقوم العوائل بعمل مسابقات ترفيهية مثل الفوازير التي تختص بالمواضيع الدينية.
أكلات الشعبنة:
في الشعبنة يُقدَّم السليق المكـّاوي فيطبخ اللحم بالرز والحليب مع القليل من المستكة لإضفاء نكهة مميزة، كما وقد تشمل الأكلات الأخرى مثل مشويات اللحم ويُـقدّم معه الرز الأبيض، وصلصة خلطة الكزبرة/ البقدونس، مع الفلفل الأخضر أو سلطة اللبن بالخيار المبشور والثوم المهروس.
يشتهر أهالي مكة المكرمة بطبخ الأرز الكابلي والبرياني كما يشتهر أهالي مدينة جدة بالأرز العربي أو السليق، فيما يعتمد أهالي مدينة ينبع في ولائمهم على الأسماك.
لكن مما يميز أكلات (الشعبنة) هي حلواتها التقليدية اللي تعوَّد عليها الأهالي في الحجاز، مثل الهريسة وهي نوع من الحلويات، ومعها حلوى الـَّلدو واللبنية والمُشبـَّك والمعمول والمـَهجـَميّة.. في جدة وفي مكة المكرمة.
أما في المدينة المنورة فيتم أيضاً تحضير حلوى (الحيسة) المدينية اللي تشمل التمر السكري مع الدقيق والسمن البـَرّي.
أهازيج الشعبنة:
في يوم الشعبنة من فترة العصر إلى المساء تكتظ الأسواق بالباعة والمشترين ويتجمع أطفال الحارة ويبدؤون في الأهازيج، حيث يتمشى ويتسابق الأطفال في ممرات الحارة طارقين الأبواب للحصول على ما لذ وطاب مرددين: (سيدي شاهين ياشربيت خرقة مرقة يا أهل البيت، إما جواب ولا تواب ولا نكسر هادا الباب، لولا خواجة ماجينا ولا طاحت كوافينا حِل الكيس وأعطينا، السادة والعادة، ستي سعادة هاتي العادة، سيدي سعيد هات العيد إما مشبك ولا فشار ولا عروسة من الروشان ولا عريس من الدهليز) فيقصدون بالعروسة والعريس ما يرمى لهم من حلوى اللوزية أو الحمص والفشار إما من الروشان أو بنزول أحد الافراد ليناولهم حفنات السعادة من باب المنزل، فإن أعطوا ما يرغبون رددوا بالمديح والثناء: (قارورة يا قارورة ست البيت غندورة)، وإن لم يعطوهم وأتاهم صوت الرفض من خلال المشربية تعالت أهازيجهم: (كبريته يا كبريته ست البيت عفريتة)، وبعد صلاة المغرب إلى بعد العِشاء يستقبل الأطفال الأكبر من عشر سنوات المصلين لحظة خروجهم من المسجد مرددين (يا عمي هات البخشيش يا عمي بكرا مافيش).