قصص أمهات
مذكرات آدم: خطأ يرتكبه الأهل مع ابنهم البكر
ساءت علاقتنا في الفترة الأخيرة، واتجهت من طرفي نحو اللوم والتوبيخ وأحيانا عقابه وحبسه خمس دقائق على ذمة مشاكسة.
أما من طرفه فقد جمع في الفترة الأخيرة بين سلوكين متناقضين، فبات كثير الحركة مشاغباً على غير عادته، وفي نفس الوقت كان ساهم الفكر وذاهل العقل يبدو عليه التوتر واضحاً من حركات أصابعه ويديه.
شعرت ببعض القلق، أن تنحدر علاقة الصحبة المتينة مع طفلي الأول ذي الثمانية أعوام إلى هذا الصعيد من المخاصمة، وأن يخبو بريق ذهنه إلى شرود وتوتر. كنت أذكِّره كثيراً بأننا نريد أن نعيد أيام الصداقة بيننا وأن نتعاهد على ذلك، فلا ألبث أن أفقد أعصابي أمام خطأ واحد ارتكبه، أو بعد تراكمات وتقارير مما كان يشي به شقيقه الصغير عن أخطاء أخرى كان قد ارتكبها.
بعد صلاة فجر أحد الأيام كان أمامي إنجاز بعض الأعمال الكتابية على حاسوبي، واسترعى انتباهي على سطح المكتب وجود مجلد باسم "قصص"، ولا أذكر أني استحدثت مجلداً بهذا الاسم، ولما فتحته وجدت أنه لطفلي البكر، ذلك أنه أخبرني في وقت سابق عزمه على كتابة بعض القصص واتصل بي ذات مرة يسألني عن تفاصيل بعض القصص الواردة في القرآن الكريم.
محتويات المجلد دلت على حسن تصنيفه وتفريقه بين أنواع القصص فقد حملت ملفاته العناوين التالية: قصص مرعبة، قصص مضحكة، قصص أطفال، قصص من القرآن والسنة، قصص خيالية.
شعرت بفرح وفخر غامرين وأنا أفتح ملفات ولدي وأقرأ ما كتبت أنامله الصغيرة، ووخزني شعور بالألم والإحباط لأني اتبعت أسلوب التوبيخ تجاه أخطائه في الفترة الأخيرة.
واكتشفت في لحظات الصفاء تلك الوجه الآخر للحقيقة، فقد أظهر في الفترة الأخيرة تناقضا سلوكيا يجمع بين الشراسة والاضطراب والخوف الليلي كنوع من الاحتجاج على إهمالنا له، وتحميلنا له بعضاً من تبعات وهموم الكبار.
تذكرت أنني أواجه كثيراً من أخطائه الطفولية بتقييم خاطئ نابع من شعوري بأنه هو الكبير الذي يجب أن يكون القدوة لإخوته متناسياً أنه طفل مهما تصنَّع جدية الكبار وتحدث بأحاديثهم.
واسترجعت نقطة أخرى رصدتها زوجتي وكنت أستبعدها، وهي غيرته، فمن حقه أن يغار من الحضور الطاغي لأخته ذات الستة أشهر، تلك الغيرة المحمودة التي لا تتنافى مع حبه لها واهتمامه بها.
تذكرت أمراً آخر وهو أن انشغالي بين عملي ودراستي والضيوف الكثيرين قد أضرَّ كثيراً بارتباطي بأحبائي الصغار والالتفات إليهم والالتفاف حولهم ومصاحبتهم.
إن كل العوامل السابقة تمتزج لتشكل تفسيراً لسلوكيات طفلي الأخيرة، وتحمل له الكثير من العذر، وتفرض عليَّ الكثير من رحابة الصدر والتفهم المقرون بالاهتمام والتفهم والاحتضان.
عدت لملفات طفلي القصصية وكتبت في كل واحد منها عبارات إطراء لصنيعه، وكتبت بعض الملاحظات اللطيفة والمقدمات الخفيفة لقصصه، وحرصت في نهار ذلك اليوم على الاتصال به وطلبت إليه أن يفتح ملفاته.
بعد عشاء تلك الليلة، وبعد انفضاض سامر الضيوف جلس ثلاثتنا فقط؛ أنا وزوجتي وأحمد وكان يصنع فراشات من ورق، وكنت أشاركه الاهتمام والحبور بفراشاته ويبدو أنه لم يكن حاضر الذهن ولا رائق المزاج فقط، بل إن روحه حلَّقت مع فراشاته إلى آفق الشعر فكان ينشد:
فراشتي البيضاء
تطير في الفضاء
تحلِّق عالياً في السماء