قصص أمهات
عشت الحجر بسعادة من قبل ولن يجعلني حزينة الآن
ولدت في عام 1984، وعشت جزءاً من طفولتي أثناء الحرب الأهلية اللبنانية، وكان على عائلتي أن تلتزم باللجوء والحظر في المنزل لحمايتنا من خطر الحرب وويلاتها، وأن تعيش لفترات طويلة بإمكانيات وموارد محدودة.
لكني وبالرغم من كل هذا، فقد حظيت بطفولة وذكريات سعيدة عن هذه الأوقات!
يمكنني أن أتخيل أن الكبار في ذلك الوقت مثل أمي وأبي كانوا ليقولوا عكس ذلك تماماً، ذلك لأن ما مروا به لا يمكن وصفه إلا بالذكريات المؤلمة والصعبة.
لكن وبطريقة ما، وفي قصتي وذكرياتي الخاصة، كان هنالك ما يمنع تسلل كل هذا القلق والمخاوف التي كان يحملها الكبار إلى نفوسنا البريئة المفعمة بالإبداع والبهجة.. بهجة الطفولة ومتعتها.
والآن وبعد أن كبرت وصرت أماً، أصبح هدفي واضحاً وجليًّا.. أن أحمي طفولة أبنائي وأدافع عنها بقوة، وأن أبدع في صنع الذكريات الجميلة لهم حتى في أحلك الظروف وأصعبها، أريد أن يسألني أطفالي بعد 30 عاماً: "ماما، كيف استطعنا أن نعيش كل هذه الذكريات السعيدة خلال الحجر وقت وباء فيروس كورونا؟!"
ليس لدي أدنى شك بأن الأطفال يقرؤون الحياة ويرونها بعيون أمهاتهم وآبائهم، وينتبهون لأي كلمة تخرج منهم ويلاحظون حركاتهم وانفعالاتهم.
يمكن لكل العالم أن ينهار من حولنا، لكن نظرة حب أو كلمة لطيفة أو حضن دافئ يتلقاه طفلك منك يمكن أن يحول واقع ما يحصل خارج المنزل إلى حياة أخرى أكثر سلاماً وأمناً وسعادة!
أما إذا كان طفلك يلعب ويضحك ويبتكر في مثل هذه الأوقات، فهذا سيجعل الأمور أكثر مرحاً ومرونة وستمر هذه الأيام تاركة في ذاكرته أجمل اللحظات.
وأذكر أنني كنت ذلك الطفل!
في كثير من الأوقات كان الطعام ينفد لدينا ويبقى لدينا القليل، لكنني لم أتذكر الأمر على هذا النحو! وكل ما أذكره أننا كنا نستمتع كثيراً ونحن نخترع ونجرب وصفات جديدة من المواد المتوافرة لدينا!
وكنا نضطر للبقاء محجورين داخل المنزل لأيام كثيرة متتالية، لكن ما أذكره جيداً أنني كنت أستيقظ كل يوم بحماس للعب "المونوبولي" لساعات مع إخوتي.
وفي أحيانٍ أخرى كنا نضطر لتغيير مكان سكننا لأسباب أمنية إلى منزل أحد الأقارب، وعندما يحدث ذلك نفاجأ بوجود لاجئين آخرين هناك مع الكثير من الأطفال الآخرين، ولكم أن تتخيلوا كيف يمكن لطفل أن يرى كل هذا... "حفلة مبيت مع الأصدقاء للعب والضحك".
أما الألعاب فكانت تنفد أيضاً بحيث يصبح الحصول على لعبة جديدة بمثابة الحلم، لكن إذا كان الطفل يشعر بالأمان والاطمئنان في مثل تلك الظروف، سيتحول أي شيء يوضع بين يديه إلى لعبة ممتعة! فهو قادر على الابتكار والإبداع والتظاهر بأي شيء خلال اللعب!
كنا نلعب مع الدمى لعبة "الملجأ" لساعات طويلة، بحيث نتظاهر بأننا أشخاص بالغون نقوم بحماية الدمى من أي خطر. كما وكنا نلعب واحدة من ألعاب الورق كنا نسميها "الحرب"، ربما تبدو من اسمها لعبة قاسية، إلا أنها كغيرها من ألعاب الورق كانت ممتعة جداً، مليئة بالحماس والمنافسة والإدمان أيضاً.
لذا، لكل الأمهات والآباء في كل مكان، لكي تستطيعوا الخروج من هذه الأزمة بأفضل حالة ممكنة، ولتحموا طفولة وبراءة أطفالكم الصغار، أنا أشجعكم جميعاً أن تقلدوا ما يفعله الأطفال كل يوم: اللعب والتخيل والتظاهر!
نعم، تظاهروا بأنكم قد قمتم بدعوة أصدقاء أطفالكم، ثم تحدثوا واضحكوا معهم بناءً على ذلك. أو تظاهروا بأنكم ذهبتم في رحلة تخييم واستخدموا ملاءات السرير لصنع خيمة، ثم تظاهروا بأنكم تأكلون المارشميلو حول نار مشتعلة وصفوا لأطفالكم كيف أنها تذوب في أفواهكم بطريقة شهية.
العبوا "المونوبلي" معاً حتى بعد أن يمر وقت النوم، فما الذي سيمنع ذلك؟ أو دعوا أطفالكم يخترعون ولو لمرة وصفات جديدة وغريبة.. الموز والكاتشب مثلاً!
تظاهروا معهم بأنكم أطباء ومرضى، أراهنكم أنكم ستسمعون كلمتي "كورونا" و"فيروس" كثيراً، سيتحدثون عن الأمر كأنه شي عادي لأنه كذلك بالنسبة لهم!
تظاهروا أيضاً أن صوت صافرات الإنذار التي تعلن بدء حظر التجول ما هي إلا صوت قطيع من الذئاب وأنكم أنتم جميعاً الأبطال الذين يستخدمون قواهم الخارقة الغير عادية!
العبوا وتظاهروا بأي شيء أو أي طريقة تعرفونها.. أعدكم أن كل شيء سيبدو حقيقياً وجميلاً وممتعاُ وآمناً! وبعد سنوات من الآن، الذكريات ستعيد أطفالكم لكل ما شعروا به في ذلك الوقت، وليس للظروف التي جعلتهم يعيشون هذا النمط الجديد من الحياة. وأنتم أيضاً ستشعرون بطافة وحماس كبيرين وبتقدير أكبر لأيامكم.
وتذكروا أن "الملجأ" يعني الحماية والأمان، وعليه فإن أطفالنا يستحقون أن يشعروا أنهم محميون كل يوم في حياتهم وفي طفولتهم، حتى وإن كنا في حالة طوارئ أو إغلاق عام مهما كانت الظروف.