قصص أمهات
أولادي يخطؤون كغيرهم وسيستمرون بذلك
أين أخطأت سؤالٌ يتبادر إلى ذهني كلما تأملت مسيرتي كأم مع أولادي، أسأل نفسي كثيراً أين أخطأت خصوصاً عندما يفاجئني أولادي بتصرفٍ او سلوكٍ لم أتوقعه منهم فأشعر بالإحباط والفشل، ويبدأ الشك يسيطر علي فاضعهم تحت المراقبة وأناقش معهم أدق تفاصيل تصرفاتهم وأذكرهم بالقيم والأخلاق التي تربوا عليها وأهمية عدم تجاوزها، وقد يضيق بي الحال لأعيش لحظات من الصمت تمتد لساعات وأيام أفكر فيهم فأتركهم ليشعروا بالذنب تجاه ما قاموا به، ثم ابدأ بمحاسبة نفسي بألم وخوف شديدين فاصرخ في داخلي: هل أخطأت وبماذا؟ وأين أخطأت؟
أذكر أنني في طفولتي كنت إنسانة هادئة أحترم نفسي وأحترم وأقدر تعب أهلي من أجلي كثيراً، فلم أرد يوماً أن أخذلهم أو أن أكون سبباً في حزنهم لذلك كنت أعمل بكل ما في وسعي لإرضائهم.
وفي أحد الايام كذبت على والداي كذبة كبيرة لا اقول باني لم اكذب عليهم من قبل ولكن هذه المرة كانت الكذبة من نوع مختلف، أذكر أنني لم استطع النوم في ذلك اليوم ولم أصبر حتى طلوع الشمس لأسرع وأعترف لأبي حين سمعت خطواته يتجه إلى المطبخ ليشرب قهوته الصباحية، فقد كان من عادته الاستيقاظ الساعة الرابعة والنصف صباحاً ليذهب باكراً إلى عمله
لم تكن خطوة الاعتراف سهلة فأبي كان يقسو علينا كثيراً خصوصاً في أي أمر يتعلق بالكذب فكنت أتوقع منه العقاب الشديد وكنت مستعدة له مع خوف لا يوصف ولكن كانت ردة فعله مفاجئة وغير متوقعة، اقترب مني وقبَل جبيني وأمسك يداي بحنان لم اعهده من قبل وكلماته ما زالت محفورة في قلبي: "أنا هلأ عرفت بأني ربيتك صح وعرفت وين ما رح تروحي ما ممكن تغلطي".
ردة فعله أنعشتني وشجعتني على قول الصدق دائماً، كنت اخطئ كثيراً ولكن الطريقة التي كان والداي يتعاملان بها معي كانت تجعلني أحافظ على تلك القيم وكانت تشدني لفعل الصواب وتدفعني لاحترام ذاتي وتقدير اهلي أكثر وأكثر.
يخطئ أولادنا كثيراً لأنهم بكل بساطة بشر مثلنا تماماً! وإذا أردنا أن نعرف الإجابة على السؤال "أين أخطأنا؟" فيجب مراجعة ردات فعلنا لأخطاء أولادنا التي قد تكون مرحلة سرعان ما تنتهي بعد أن يكونوا تعلموا منها ليساعدهم على النهوض والاستمرار بثبات وقوة أكبر.
فنحن كأهل نخطئ عندما نغلق باب الحوار معهم، ونخطئ أيضاُ عندما تكون أولويتنا هي تصحيح الخطأ بدلاً من الحفاظ على علاقة جيدة مع أولادنا وننسى أن نكون القدوة والمثال لأولادنا فلا نتوقع منهم تصرفات معينة وسلوك معين وثبات في تلك القيم قبل أن يروها في تصرفاتنا اليومية.
لننتبه لتصرفاتنا معهم وعلاقتنا مع أقراننا وكل من حولنا، فالأمومة هي فرصة لصقل شخصياتنا كأمهات وتغيير عاداتنا السيئة وعلاقاتنا بأزواجنا، وهذا أفضل ما يمكن أن نتركه لأولادنا، فهم لا شك سيخطئون وسيحيدون عن القيم التي تربوا عليها وسيواجهون ضغوطات لتغيير تلك القيم والمبادئ وسيواجهون تحديات كثيرة، ولكن أهم أمر في تربية أولادنا هو أن نعلَّمهم الثقة بالنفس وقوة الشخصية ليتعلموا كيف يقولون لا لمغريات وضغوطات الحياة!
وعلينا نحن كأهل ان نتقبل أخطاءهم ليتعلَّموا منها وأن نثق بهم وبأنفسنا وان لا ننتقد تصرفاتهم فيصبحوا غير واثقين بسلوكهم ومترددين في خطواتهم، وان نعبر لهم عن حبنا لهم مهما أخطؤوا وأن نحترمهم ونحاورهم، فالحوار هو في التحدث عن مواضيع ليس لها علاقة بهم أو بيومهم وإنما حوار عن التاريخ والطبيعة والحياة والسياسة، مواضيع تقربنا منهم وتجعلنا نتعلم منهم ونتعرف عليهم أكثر كأصدقاء وليس كاولاد>
أولادي يخطؤون وسيستمرون بذلك، ولكني تعلَّمت أن تكون ردات فعلي هي الحب والتسامح والاحتواء وإعطائهم المساحة للاختيار لتعزيز ثقتهم بأنفسهم وباختياراتهم، والأهم من كل ذلك أن أثق في نفسي وفي تربيتي وفي الوقت الذي قضيته معهم ولهم لاتركهم في يد ربي الذي لا يخطئ، فالمهم كيف نعالج هذا الخطأ وما هي الصورة الذهنية التي نتركها لأولادنا عن سلوكنا وتصرفاتنا فنحن سنرحل ولكن سيبقى الأثر.