قصص أمهات
تجربتي مع العنف عبر منصات التواصل الاجتماعي
نشهد اليوم ثورة تكنولوجية هائلة مما أثر تأثيراً إيجابياً على أساليب حياتنا وجعلها أكثر راحة ورفاهية ولكنه أدى إلى إنتاج فوضى اجتماعية وأزمة أخلاقية كبيرة، حيث إن خاصية إخفاء الهوية والقدرة على التعليق وإبداء الرأي في حياة الآخرين، أدى إلى تمادي الكثيرين واستخدامهم منصات التواصل الاجتماعي لنشر الكراهية والعنف تجاه الآخرين.
فنحن نتصفح مواقع التواصل الاجتماعي يومياً لنجد العديد من الفيديوهات والمنشورات المسيئة والتي تخرج في إطارها عن الكثير من الأخلاقيات والآداب العامة والتي نحرص كل الحرص على تربية أبنائنا عليها، فمن تجربتي الخاصة، فقد تعرضت للعديد من الانتقادات والشتائم، والتي قد لا يجرؤ أصحابها توجيهها نحوي بشكل مباشر، ولكنهم يجدون راحتهم وحريتهم من خلف الشاشات، فيظن هؤلاء أن لهم الحق في انتقاد الغير وشتمهم أو التقليل من احترامهم فقط لأن المحتوى منشور بشكل علني.
إن عدم وجود رقابة على المحتوى الذي يقدمه المؤثرين ورواد مواقع التواصل الاجتماعي قد جعل من هذه الشبكات مساحة لترويج العنف والانتقاد والاستهلاك التجاري البحت والمثالية في الصفات الجسدية، وقد لاحظت أيضاً خلال أزمة فيروس كورونا، كيف تم نشر أسماء المصابين والتعرض لهم ولحياتهم الخاصة، مما جعل الأشخاص خائفين من الفحص أو الإعلان عن الإصابة، ولا يتوقف هذا الأمر عند هذا الحد، بل يتعدى الأشخاص على حرية بعضهم البعض، كتصوير غيرهم سواء في الشارع ونشر هذه الفيديوهات والصور، دون إعطاء أي اعتبار لخصوصية غيرهم، وقد يكون للسياسات الجديدة من قبل إدارة المنصات الفضل في السيطرة على المحتوى وخاصة الذي يروج للعنف والعنصرية.
إن تفكير المرء وآراءه خاصة به ولكن يجب أن يراعي الأشخاص المؤثرين ممن يتابعهم الملايين أو حتى الآلاف وحتى الأفراد العاديين عليهم أن يحرصوا على أن يكونوا قدوة حسنة وأن يكون لديهم شيئاً من المسؤولية الاجتماعية، فليس كل ما نفكر فيه يجب أن يكون علنياً، ولا يعني أن لدينا الحرية في النشر أن ننشر كل أفكارنا وآرائنا بل يجب أن يكون بوعي أكبر وتفكير مسبق، وذلك لأن حريتنا لا يجب أن تتنافى مع الآداب والأخلاقيات العامة وحياتنا الخاصة التي نعيشها كما نريد، ولا يجب أن تكون علنية حتى نعطي غيرنا الحرية في التفكير المنفرد والوصول إلى آرائهم والتعبير عن أنفسهم.
وقد يصنف الكثيرون العنف على أنه الأذى الجسدي أو الضرب، ولكن الكلمة الجارحة والإهانة وعدم الاحترام هو شكل من أشكال العنف النفسي واللفظي، وقد يكون أشد تأثيراً من الضرب، فالكلمة الجارحة تترك آثارها في النفس ولا تزول بسهولة، فتنعكس على سلوكيات الأفراد وثقتهم بأنفسهم، فالتعليقات الجارحة على الصورة التي يقوم بنشرها أصدقائنا قد تؤثر على نظرتهم لأنفسهم، فنحن عندما نقوم بنشر صورة ما، إنما نريد من خلالها الحصول على الإعجاب والقبول، مما يجعل ردود الفعل المعاكسة ذات تأثير سيئ جداً على نفوسنا.
إن امتلاكنا الفرصة للتعبير عن آرائنا لا يأتي مجاناً ولا يعني أن نعبر عن آرائنا في كل شيء وأي شيء دون مرجعية أو حتى تفكير، وإن كان منزلك هو فضائك والمكان الذي تعبر فيه عن نفسك بحرية فإن صفحات التواصل الاجتماعي هي ساحة جماعية ومكان عام وليست مكان خاص كما نعتقد، فلطالما كان رأيك يؤثر في حياة الغير وقد يؤدي للأذية فالأفضل الاحتفاظ به أو التعبير عنه بطريقة لا تهين الآخرين، ويجب اختيار الألفاظ التي تحترم المجتمع والجمهور الذي تتوجه له، و إن أقل شيء يمكن أن يقال في هذه الحالة، لا تكتب كل ما يجول بخاطرك!