قصص أمهات
أحتاج اجازة من كل شيء من دون واجبات ولا مسؤوليات
الكل يحظى بإجازته؛ أولادي من المدرسة وزوجي من عمله وحتى حارس العمارة ولو كانت الإجازة ليوم واحد في الأسبوع. فالكل يحظى بساعات نوم كثيرة ويجلسون على الأريكة لفترات أطول لا واجبات ولا فروض ولا مسؤوليات... وقتهم ملكهم بالكامل وهم أصحاب القرار كيف يقضون هذا الوقت... إلا أنا!
لا أتذكر بأنني أخذت إجازة يوماً لأجلس فيها على الأريكة طوال النهار أو بدون واجبات أو فروض ولا حتى شعرت بأن وقتي لي بالكامل... فإجازتي إن أردت أن أسميها إجازة هي هي بنفس الواجبات ونفس الروتين اليومي بل قد تزيد...
فعندما كنت امرأة عاملة وكنت آخذ إجازة من عملي لم تكن فعلياً إجازة، كنت أطلب أياماً للاستراحة من العمل إما للرحيل إلى بيت جديد أو لتعزيل البيت أومن أجل مهام إضافية تخص عائلتي... وقد يكون بداعي السفر ولكن حتى في السفر لم أكن أحظى بإجازة لأنني كنت أمارس أمومتي الكاملة لأكون جليسةً لأولادي أو الذهاب إلى الأماكن التي يحبونها والتي قد تكون متعبة وغير ممتعة بالنسبة لي...
فالإجازة التي كنت اتوقعها في ذلك الوقت عندما كنت امرأة عاملة هي في البقاء في الفراش ممددة مستمتعة بالهدوء بدون مقاطعات أو طلبات وبدون مسؤوليات ولا طبيخ ولا غسيل ولا حتى التفكير بمن حولي والانشغال بمسؤولياتي تجاه عائلتي...
إجازة على الأقل لأشرب قهوتي فيها بصمت وهدوء لأفكر واتأمل في نفسي فقط دون الانشغال بالتفكير بأولادي فتصبح نفسي آخر أولوياتي... كان هذا الأمر يشعرني بالإحباط ويأخذ من طاقتي وأحياناً يسرق الابتسامة من وجهي ويعكس التعب على عيني...
والآن وقد أصبحت ربة بيت ولا أعمل كنت اعتقد بأن الأمر سيكون أفضل وسأحصل على إجازتي التي أريد ولكن اكتشفت بأن الأمر أصبح أكثر صعوبة لأن الأولاد يشغلون وقتي وفكري بالكامل لأقع في آخر النهار على السرير مهدودة منتظرةً الحصول على الإجازة التي لطالما رغبت بها!
فإجازتي التي أريد هي بكل بساطة التفكير في نفسي ونفسي فقط... فالأمومة الحقيقية هي ليست فقط في الغسيل والتنظيف والطهي وإنما أكثر من هذا بكثير... حتى يمكننا تسميتها "جهاز استشعار" جهاز مركب في عقولنا يعمل أربعة وعشرون ساعة دون توقف يأخذ من طاقتنا نحن الأمهات ليربطنا بأولادنا فيجعلنا نفكر في أدق أدق التفاصيل لننسى أنفسنا ونضع كامل طاقتنا لهم ولبيتنا وعائلاتنا...
فإذا أردنا نحن الأمهات أن نعود إلى عملنا ونحقق طموحاتنا وآمالنا ومستقبلنا يضغط هذا الجهاز على ضميرنا لينبهنا بأن أولادنا وبيتنا هم بأمس الحاجة إلينا... وإذا أردنا أن نأخذ غفوة بسيطة لنستطيع إكمال نهارنا فنضع أولادنا أمام جهاز التلفاز ليعود ويعمل هذا الجهاز في ضميرنا فيشعرنا بالقلق فلا نعود نستطيع النوم خوفاً أن يضيع وقت أولادنا الثمين أمام أمور تافهة...
هذا الجهاز يجعلنا نشعر بالذنب المستمر تجاه أولادنا فإذا تركناهم لنغيب عنهم ولو لساعة يبدأ بالعمل ليشعرنا بالأنانية والذنب لأننا لم نجلس معهم بما يكفي لنعود ونتمحور حول أولادنا فنجعل من أنفسنا شمعة تحترق لأجل غيرها معتقدين بأننا لسنا مُخيَّرين وإنما مجبرين على ذلك فينعكس على نفسيتنا وعلى مزاجنا وطاقتنا...
فأنا أعرف تماماً كيف أريد أن أقضي إجازتي فإجازتي غير مدفوعة الأجر مجانية مثلها مثل واجباتي تماماً إجازة أحظى فيها على حريتي ليست حرية الوقت فقط وإنما حرية أن أكون "نفسي" بكل إحباطاتي وحزني فلا أخفيها على زوجي أو أولادي لأنني أعلم أن سعادتي هي من سعادة بيتي ... إجازة لأدخل الحمام دون مقاطعات أو استفسارات... إجازة لأقف أمام خزانة ثيابي لأرى واعرف كيف أصبح قياسي؟؟
أريد إجازة لأتذكر بأنني أنثى وامرأة تحب أن تكون جميلة... والأهم من كل هذا وذاك إجازة لأعرف طاقاتي الكامنة وقدراتي وهواياتي التي لم أعد أعرفها لانشغالي بغيري...
الإجازة التي ترغب بها أي امرأة هي إجازة مجانية بدون تكاليف... هي كلمة حلوة ممن حولها كلمة شكر وتقدير واحترام لذاتها.
الإجازة هي أن تكون هي الأولوية بالنسبة لغيرها وأن يمنحوها ولو جزء بسيط من يومهم ووقتهم فتشعر بأنها مرئية بالنسبة إليهم وليس مجرد كيان في البيت لتلبية احتياجات من حولها... وعندما تحظى بهذه الإجازة عندها فقط جهاز الاستشعار سيعمل بطريقة مختلفة وسينعكس على وجهها وحول عينيها وفي عطائها وطاقتها فتصبح أكثر سعادة لتتحمل المزيد من الأعباء والواجبات اليومية دون تذمر أو شكوى.
من هنا أدعوكن معي يا أمهات العالم ... ألا ننتظر الإجازة من أحد دعونا نطفئ جهاز الاستشعار هذا في أوقات معينة لنجعل من أنفسنا الأولوية فهذه ليست أنانية... دعونا نسأل أنفسنا ما الشيء الذي يسعدنا دون الاعتماد على أحد لإسعادنا؟
دعونا نحيط أنفسنا بالأصدقاء الذين اطفأوا جهاز الاستشعار لديهم وما زلن أمهات رائعات لنتعلم منهن... فأنت مهمة وأنا مهمة وأمي مهمة فنحن أساس البيت! فإن لم نجد السعادة في داخلنا وإن لم نجد الوقت لذاتنا وأنفسنا وإن لم نعطي أنفسنا الأولوية فلن ننشئ أولاداً سعداء ولن نترك أولاداً اصحاء... وحتماً سنتوقف عن سماع كلمات قد تجرحنا وتحبطنا بعد نهار طويل "الماما دايماً معصبة... الماما ما بتضحك.. الماما دايماً تعبانة..."
خذي إجازتك فهذا حقك أما أنا فإجازتي هي في مقالاتي... اكتب مقالتي الآن وأولادي ليسوا حولي وهذا حقي لأنه وقتي... فقد اطفأت جهاز الاستشعار خاصتي.... وماذا عنك؟!