قصص أمهات
قصة صراع مع سرطان الثدي... خوف وكتمان!
ترويها أم لثمانية أبناء
كان عمري تسعةً وأربعين عاماً حينما تم تشخيصي بسرطان الثدي. لطالما كنت على درجة كافية من الوعي، فقد كنت أفحص صدري بيديَّ بشكل دوري، إلى أن شعرت في أحد الأيام بأن صدري قد كبر قليلاً ، مع أنني لم أكن أشعر بأي عرض من الأعراض التي تظهر على بعض النساء عادةً باستثناء كبر حجم الثدي. حينها قمت بإخبار زوجي بالأمر قام باستبعاده، إلا أنني أصررت على القيام بالفحص للاطمئنان والتيقُّن ليس أكثر. وبالفعل بعد الفحص تبيَّن أنني أعاني من سرطان الثدي وبحاجة إلى عملية استئصال على الفور.
كانت ترافقني عند التشخيص أختي التي انهارت وبدأت بالبكاء عند سماع الخبر. أما أنا فقد كنت بحمد الله قوية جداً وقمت بتهدئة أختي وطمأنتها بأني قوية وراضية بقضاء الله وحكمه. لكن المشكلة الأكبر كانت بإخبار أمي وأخواتي وبناتي بما حل بي سيتألمون لذلك كثيراً، خاصةً أمي خفت أن يصيبها أيُّ مكروه إذا هي علمت بالأمر، فهي لن تستطيع تحمُّل ذلك.
لم أعرف حينها ما العمل فقد كانت العملية ضرورية ومستعجَلَة! عدت إلى المنزل وجلست وحدي أفكر وأبكي على أمي وأخواتي وبناتي، ماذا سيحل بهم إذا علموا بالأمر؟! خاصَّة وأني مغتربة في بلد آخر وقد كنت حينها في زيارة لأهلي، وعندما وصل زوجي احتضنته وانهرت باكيةً، وهو صامت كأنه يعلم أن هنالك أمرٌ جللٌ قد أصابني لكنه ينتظر مني الإفصاح عنه، وعندما علم كان خير مساند وداعم لي في محنتي هذه. ثم لجأت إلى الله بالصلاة والدعاء، أطلب منه ألا يفجَعَ أحداً من أحبتي بي.
بالإتفاق مع الطبيب قرَّرت أن أخبرأمي وأخواتي وبناتي بأنني سأخضع لعملية مرارة حتى لا أسبب لهم الألم وأوجعهم بحقيقة مرضي.
وبالفعل ذهبت إلى العملية وقد كنت قويَّة جداً، رافقني إليها كلٌّ من زوجي وأختي، وما أن دخلت غرفة العمليات حتى أجهشت بالبكاء إلا أن الطبيب طمأنني وهدّأ من روعي ثم بدأت العملية.
قبل أن أقع تحت تأثير المخدَّر كليًّا، بدأت بقراءة ما أحفظه من آيات القرآن الكريم وبالدعاء لنفسي ولأهلي ولغيري من المرضى. تمت العملية وخرجت منها وأهلي يعتقدون أنها مجرَّد عملية مرارة، وقد أكد لهم ذلك الطبيب حسب ما تم الاتفاق عليه بيني وبينه، واضطررت لأن أعيش ألمي لوحدي دون إخبارهم عن أي شيء.
ثم تقرر أنني بحاجة إلى ثماني جلسات من العلاج الكيماوي، وكان تأثير أول جرعة بالنسبة لي أصعب بكثير من عملية الاستئصال التي قمت بها، وبكيت كثيراً حتى أدركني التعب، كنتُ خائفةً من ظهور الأعراض على جسمي ومن ملاحظة أمي وأخواتي لها. وبعد أن أتممت الجرعة الثانية تألمت كثيراً وشعرت بتعب لا يوصف، عندها قررت أن لا آخذ أي جرعة أخرى من الجرعات المقرَّرة وتجادلت مع زوجي بهذا الشأن كثيراً حتى اقتنع وقررنا العودة الى بلادنا، خاصة وأن قرارنا جاء بعد أن أمضيت ثلاثة أشهر ونصف بعد جلسات الكيماوي وقبل أن أسافر بيومين قمت بإجراء بعض الفحوصات وتبيَّن أنها والحمد لله سليمة.
وبالفعل كان ما قررناه! وصلت إلى بيتي وعدت إلى أبنائي، الذين استطاعوا أن يلاحظوا علامات التعب الواضحة على وجهي وعرفوا أن أمراً سيئاً قد حدث لي، وشعروا بالحزن وعاتبوني لأنَّي أخفيت الموضوع عنهم، لكنهم بالطبع دعموني وساندوني حتى أستطيع التغلُّب على مرضي وأستعيد صحتي.
لم يكن امتناعي عن إكمال جرعات الكيماوي واتخاذ قرارٍ بالعودة إلى بيتي سببه اليأس وإنما كان ما اختَبَرته من تعبٍ شديد وألم بالإضافة إلى أنني خشيت على أهلي أن يصيبهم الحزن ويفجَعَهم الخبر.
بعد ذلك قمت بزيارة طبيب آخر ونصحني بالخضوع لجلسات من العلاج الإشعاعي بالإضافة الى علاج "الهيرسبتن" وهو علاج يستخدم لعلاج سرطان الثدي يشبه العلاج الكيماوي ولكن أعراضه الجانبية أقل بكثير. وبحمد الله أنهيت عشرين جلسة من العلاج الإشعاعي وثلاثةَ عشرةَ جلسة من علاج "الهيرسبتن" تبَقَّى لي منها أربع، وأنا حاليًّا بصحة جيدة ومعنوياتي مرتفعة وأعيش حياتي بشكل طبيعي كأن شيئاً لم يكن، كل ذلك كان دون معرفة أهلي بما حدث.
لم أسمح للسرطان أن يهزمني وحاولت كل جهدي أن أحاربه، أحمد الله أنني صممت على الذَّهاب لفحص ثديي وتقبلت الأمر بقلب وعقل منفتحين حتى أسيطر على حياتي وأحافظ على عائلتي وأولادي. رسالتي لكنَّ واضحة... افحصن... تقبلن المرض... لا تستسلمن لأي جانب من جوانبه!
*صاحبة هذه القصة فضَّلت عدم نشر اسمها