قصص أمهات
هكذا تقبلت شكلي وأحببت تغير ملامحي
في الماضي، كلما كنت أتصفح ألبوم صوري القديمة ، مع أن عددها قليل، كنت لا أحب شكلي فيها أبداً كنت أدقق في تفاصيل ملامحي فأرى أنفي كبيراً وفمي رفيعاً وشعري أجعداً بشعاً حتى وأنا في أفضل حالاتي وهندامي لم تكن صوري تحظى برضى مني فدائماً ما كنت انتقد شكلي...
أما اليوم عندما أنظر إلى ذات الصور القديمة لم أعد أرى أنفي كبيراً ولا شفتي صغيرة بل أصبحت أدقق في تفاصيل أخرى في وجهي فأراه أكثر صفاءً وأكثر براءةً وأرى أن في نظراتي دفئاً مقارنة بنظراتي اليوم ... نعم إنها ذات الصور التي لم تكن تعجبني في السابق والتي كنت أرى فيها عيوب وجهي... فأنا لم أكن أرى نفسي جميلة سابقاً، ربما لهذا السبب كنت ابتعد عن التقاط أي صورة لي أو أرفض ذلك حتى على سبيل الذكرى.
والآن... لا أخفيكم بأن "السيلفي" أصبحت رفيقتي الدائمة، أصور نفسي في كل مناسبة وفي كل اتجاه... والتقط صوراً مختلفة من فوق ومن تحت ومن الجانب الأيمن إلى الجانب الأيسر حتى أحظى بأكثر صورة تشعرني بالرضى عن شكلي... وعندما أتصفح العشرين سلفي التي التقطها على هاتفي في أقل من ساعة أقوم باختيار الصور التي أبدو فيها أجمل أو أصغر سناً.
ومع كثرة السيلفي وتحديقي في المرآة كل صباح وصل بي الأمر أن أدقق بمن حولي لأحزر عمر كل واحدة تمر من أمامي أو أقارن نفسي بصديقاتي ومن تبدو أصغر مني!! حتى أنني أحياناً أتصفح صور المشاهير أو الممثلات اللواتي أصبحن أكثر جمالاً وتألقاً في عمر الخمسين أو الستين.
كنت آخذ وقتي لأتأمل صورة تلو الأخرى حتى أخذت القرار أن أراجع طبيب الجلدية عسى أن أحصل على نفس البريق الذي أراه في تلك الصور... فأنا فقط أريد بعض الرتوش في وجهي فقط رتوش لأعيد إليه نضارته وتألقه وأقلل من عدد التجاعيد فيه!
لن أخفي عليكم بأني ذهبت ولأكثر من مرة إلى عيادة الطبيب لأخضع لجلسات البوتوكس ولكن ما أن يصل دوري للدخول حتى ألوذ بالفرار وأختلق الأعذار، ثم اهرب مسرعة نحو باب الخروج ليس خوفاً من وخزات الإبر ولكن خوفاً من تغيير ملامحي التي اكتشفت بأني أحبها وراضية عنها في تلك اللحظات...
حتى جاء ذلك اليوم الذي كنت أقف فيه أمام إحدى إشارات المرور، حيث اقترب مني شاب ليبيعني الورد - اعتقد أنه كان في السادسة عشرة من عمره- اقترب من شباك سيارتي المفتوح ليقول لي: "يا خالتو اشتري مني وردة!" فنظرت إليه باندهاش: "خالتو؟... أنا خالتو؟"!
قدت سيارتي مبتعدة عنه ثم اصطففت جانباً لألقي نظرة على نفسي في المرآة، أعدت التدقيق مرة أخرى في ملامحي هل وصلت ملامحي لدرجة أنني أصبحت خالة؟؟ لن تتخيلوا مشاعري؟! عندها فقط عدت إلى السيلفي من جديد... النظر إلى ملامحي وتقاطيع وجهي وكيف يبدو عمري...
في نهاية اليوم عاودت النظر إلى صوري القديمة لأسأل ابنتي جولي عن شكلي في الصور مقابل شكلي الآن؟ فكانت إجابتها رائعة وصادمة في نفس الوقت: " قبل كنت حلوة وهلأ إنت حلوة بس هلأ أنا بحبك أكثر"
جعلتني تلك الكلمات أتأمل نفسي من جديد فنحن بالنظر إلى صورنا القديمة ندقق في تفاصيل نفتقدها في حاضرنا فنرغب ببعض الرتوش التي تعيد لنا ما فقدناه في الحاضر. وقد يصل فينا الأمر إلى الغوص في مخيلتنا والنظر إلى صور المستقبل لتصبح تلك الرتوش أكثر عمقاً فتفسد ملامح الحاضر وتجمدها وكأننا نريد تجميد الزمن معها!
فكم امرأة فقدت جمالها وملامحها بسبب الغرق في تلك الرتوش؛ فالحاجة إلى الجمال أو الحاجة للبقاء شابة أو جذابة أو الحاجة إلى سماع كلمات مشجعة مثل "ما تغيرتي" "شو حليانة" "شو عاملة في حالك" بغض النظر عن الأسباب ورائها؛ هي حاجات عادية وطبيعية جداً لها أثر كبير على نفسية المرأة مهما كانت قنوعة ومهما كانت ثقتها في نفسها...
ولكن، عندما تصبح تلك الرتوش إدمان ننسى أنفسنا فيه وتصبح أكثر من مجرد رتوش، عندها فقط يجب أن نقف ونتأمل ونكون أكثر وعياً لنسأل أنفسنا لماذا نريد تلك الرتوش؟
هل هي لصيانة وإعادة نضارة للوجه أم لتجميد الزمن لتجمد معها ملامح وجهنا فنصبح لا نميز تعابيرها؟ هل نرغب بها لنحافظ على بريق الماضي أم خوفاً من فقدان جمالنا في المستقبل؟ هل لجأنا إلى الرتوش لنبدو مثل هذه أو تلك؟ إن استطعنا الإجابة على هذه الأسئلة لن نخلط بين الحاجة والقناعة والادمان...
أما بالنسبة لي فنعم أصبحت خالتو وأحلى خالتو مع أنني خضعت لبعض جلسات من البوتوكس أكثر من مرة لرتوش فقط... فقط لرتوش!
وما زالت السيلفي رفيقتي كالعادة ولكن هذه المرة لأرى فيها ملامحي الجميلة لأنني أصبحت قنوعة... فأنا أعيش مرآة الحاضر دون الخوف من مرآة المستقبل واستمتع بملامح وجهي الآن بطريقتي وقناعاتي وهذا قراري!!